فكر السيد ستانلي بإمعان وقال: «كنافة البحر؟» مد يده داخل الحقيبة وأخرج بعض الأعشاب ونظر إليها. كانت ليديا تعلم أنه كان يرى ما رأته ويلا كاثر على الأرجح. «بالتأكيد كانت تعرفها. بكل تأكيد.»
ولكن هل كانت محظوظة أم لا؟ وهل كانت الأمور على ما يرام مع هذه المرأة؟ كيف عاشت حياتها؟ هذا ما أرادت ليديا أن تسأله. هل كان السيد ستانلي سيفهم ما تقصده؟ ولو سألت كيف عاشت ويلا كاثر، ألم يكن سيجيب بأنها ما كان عليها أن تجد سبيلا للعيش، مثل بقية الناس، لأنها كانت ويلا كاثر؟
يا له من عالم وهمي بديع ذلك الذي صنعه لنفسه! يمكنه أن يحمله معه أينما ذهب، وما كان بوسع أحد أن يتدخل. قد يأتي يوم ستعتبر ليديا نفسها فيه محظوظة لقيامها بالمثل. لكن إلى أن يحدث ذلك، ستظل أمورها متقلبة. «متقلبة» هكذا اعتادوا أن يقولوا في طفولتها، متحدثين عن صحة الأفراد الذين لن يتعافوا. «إنها حقا متقلبة.»
ومع هذا، تسلل الدفء إليها بفضل هذه الهدية التي وهبها إياها شخص من بعد.
موسم الحبش
مهداة إلى جو رادفورد
عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري، حصلت على وظيفة بحظيرة ديوك الحبش خلال موسم عيد الميلاد. كنت لا أزال صغيرة للغاية على العمل في متجر أو كنادلة بدوام جزئي، وكنت أيضا شديدة العصبية.
كنت مسئولة عن استخراج أحشاء ديوك الحبش، ولم أكن بمفردي؛ إذ كان من بين العمال الآخرين ليلي ومارجوري وجلاديس اللاتي كن يعملن أيضا على استخراج الأحشاء، وأيرين وهنري المسئولان عن نتف ريش الدجاج، وهيرب آبوت كبير العمال الذي يشرف على العملية كلها ويتدخل في العمل كلما ظهرت الحاجة إليه. وكان مورجان إيليوت هو مالك الحظيرة وزعيمها، وكان مسئولا مع ابنه مورجي عن عملية الذبح.
كنت أعرف مورجي منذ أيام المدرسة، وكنت أراه ساذجا ومحط ازدراء، ولم أكن أرتاح لفكرة النظر إليه في هيئة جديدة وربما أعلى مقاما، باعتباره ابن مالك الحظيرة. لكن أباه كان يعامله بقسوة شديدة؛ فكان يصرخ فيه ويسبه، لدرجة أنه لم يكن أفضل حالا من أدنى عامل بالحظيرة. أما الشخص الآخر الذي يمت بصلة قرابة لمورجان، فكانت جلاديس شقيقته. كان هناك بعض الامتيازات المتعلقة بوضعها فيما يبدو؛ إذ كانت بطيئة في العمل ومسموحا لها بالعودة إلى البيت لنيل قسط من الراحة في حالة شعورها بالتعب. لم تكن جلاديس تعامل ليلي ومارجوري معاملة ودودة، رغم أنها كانت تعاملني معاملة طيبة بعض الشيء. كانت وقتئذ قد عادت لتعيش مع مورجان وعائلته بعد عملها سنوات عديدة بأحد البنوك في تورونتو، بيد أن عملها في الحظيرة لم يكن من نوع العمل الذي اعتادت عليه. وذكرت ليلي ومارجوري - وهما تتحدثان عنها في غيابها - أنها قد أصيبت بانهيار عصبي، وأن مورجان أجبرها على العمل في حظيرة الحبش مقابل تعهده برعايتها. قالتا أيضا - دون أن تكترثا بالتناقض في كلامهما - إنها قد قبلت العمل لأنها كانت تسعى وراء أحد الرجال، وهو هيرب آبوت.
كل ما كنت أستطيع رؤيته عندما أغمض عيني - خلال الليالي القليلة الأولى من عملي في الحظيرة - هو ديوك الحبش. كنت أراها معلقة من أرجلها، منتوفة الريش، متيبسة شاحبة باردة، برءوسها ورقابها المرتخية وعيونها ومناخرها التي يملؤها الدم الأسود المتجلط. وبدا التخلص من بقايا الريش - السوداء والملطخة بالدماء أيضا - وكأنه أهم المراحل على الإطلاق؛ لم أكن أنظر إليها باشمئزاز، بل يراودني شعور بأنه عمل لا نهاية له ولا بد من إتمامه.
Bog aan la aqoon