لم تشعر على الإطلاق بالرغبة في الانتحار. لم تكن لتستطيع التحكم في الأدوات أو الوسائل المساعدة، ولم تكن لتعرف أيها تستخدم. تعجبت لتفكيرها في أنها قد اختارت رغيف الخبز والجبن، اللذين كانا ملقيين على الأرض في الردهة. كيف تخيلت أنها ستمضغهما وتبلعهما؟ •••
بعد الغداء جلست ليديا في الشرفة مع المرأة التي طهت الوجبة. وكان زوج المرأة قد تولى عملية التنظيف.
قالت المرأة: «حسنا، إن لدينا طبعا غسالة أطباق. ولدينا ثلاجتان ووحدة تبريد ضخمة. على المرء أن يقوم بالاستثمار. وإذا كان طاقم العمل يقيم معه، فعليه إطعامه. هذا المكان يمتص المال وكأنه قطعة إسفنج. سنحفر حمام سباحة في العام القادم؛ إذ نحتاج إلى مزيد من عوامل الجذب. يجب على المرء أن يتقدم ليحافظ على مكانه. يتصور الناس أنها حياة لطيفة وسهلة. يا إلهي!»
كان وجهها حاد القسمات ومليئا بالتجاعيد، وشعرها ناعما وطويلا. وكانت ترتدي الجينز وبلوزة مطرزة وسترة رجالية. «منذ عشر سنوات كنت أعيش في كوميون بالولايات المتحدة. والآن أنا هنا. أعمل أحيانا ثماني عشرة ساعة في اليوم. وما زال علي الليلة أن أعلب غداء الطاقم؛ أطهو وأخبز، أطهو وأخبز. وجون يقوم بالباقي.» «هل لديكم من يقوم بالتنظيف؟» «لا يمكننا تحمل تكلفة تعيين شخص آخر. جون يتولى هذا. وهو يغسل الغسيل - وكل شيء. لقد اضطررنا إلى شراء مكواة من أجل الملاءات، وكان علينا أن نجلب فرنا جديدا؛ فحصلنا على قرض من البنك. أعتقد أن هذا مضحك؛ لأني كنت متزوجة من مدير بنك، ولكني تركته.» «أنا أيضا أعيش بمفردي الآن.» «أحقا؟ لا يمكنك أن تعيشي وحدك بقية عمرك. لقد قابلت جون، وقد كان على متن نفس السفينة.» «كنت أعيش مع رجل في كينجستون، في أونتاريو.» «صحيح؟ أنا وجون نعيش في سعادة تامة. كان قسا في فترة من حياته، ولكنه كان قد احترف النجارة حين قابلته. كلانا عاش على هامش المجتمع نوعا ما. هل تحدثت مع السيد ستانلي؟» «أجل.» «هل سمعت يوما عن ويلا كاثر؟» «أجل.» «هذا سيفرحه. أنا نادرا ما أقرأ، والأمر لا يعني شيئا بالنسبة إلي. أنا شخصية تميل إلى المرئيات. ولكني أعتقد أنه شخصية رائعة، السيد ستانلي العجوز، إنه مثقف بالفعل.» «هل اعتاد المجيء إلى هنا منذ فترة طويلة؟» «كلا، هذا عامه الثالث. يقول إنه لطالما أراد المجيء إلى هنا، ولكنه لم يستطع. كان عليه الانتظار لحين موت أحد أقربائه لأنه كان يعتني به. ليس زوجته. ربما يكون أخاه. لقد اضطر إلى الانتظار على أية حال. كم يبلغ من العمر في ظنك؟» «سبعين؟ خمسة وسبعين؟» «لقد بلغ الرجل واحدا وثمانين عاما. أليس هذا رائعا؟ يعجبني حقا الأشخاص من أمثاله. فعلا، يعجبني الأشخاص الذين يواصلون حياتهم.» •••
قالت ليديا: «الرجل الذي أعيش معه - أقصد، الرجل الذي كنت أعيش معه في كينجستون - كان يضع ذات مرة بعض صناديق الأوراق في حقيبة سيارته، وكان هذا في الريف، في بيت ريفي قديم، عندما شعر بشيء يلكزه فنظر إلى الأسفل. كان ذلك في أول الليل تقريبا، في يوم حالك الظلام. فظن أنه كلب كبير ودود، كلب أسود يلكزه، فلم يعره أي انتباه. حثه فقط قائلا: اذهب، الآن، ارحل، أحسنت. ثم بعدما نظم الصناديق التفت فوجد أنه دب. كان دبا أسود.»
حكت هذه القصة في وقت لاحق من نفس تلك الأمسية، في المطبخ.
سأل لورانس، الذي كان قائد طاقم العمل في مهمة كبلات التليفون: «ماذا فعل حينها؟» كان لورانس وليديا ويوجين وفينسنت يلعبون الكوتشينة.
ضحكت ليديا: «قال «عذرا!» هذا ما ادعى أنه قاله.» «كل ما كان لديه في الصناديق مجرد أوراق؟! لا طعام؟!» «إنه كاتب. يكتب كتبا تاريخية. وهذه الأوراق كانت مادة يحتاجها في عمله. أحيانا يضطر إلى الخروج وجمع المادة التي يحتاجها من أشخاص يتسمون بالغرابة الشديدة. لم يخرج هذا الدب من البرية، بل كان مروضا في الواقع، وقد تم فك أسره من السلسلة التي تربطه، من أجل الدعابة؛ فقد كان هناك شقيقان عجوزان، جمع منهما هذه الأوراق، وقد أطلقا سراح الدب ليرعباه.»
سأل لورانس: «أهذا ما يمارسه؟ يجمع الأشياء القديمة ويكتب عنها؟ أعتقد أن هذا مشوق.»
شعرت بالندم فورا لسردها هذه القصة. لقد عرضتها لأن الرجال كانوا يتحدثون عن الدببة. ولكن لم يكن سردها مفيدا ما لم يحكها دانكن بنفسه؛ فهو يستطيع أن يبين نفسه رجلا مهيبا ولطيفا ومتحضرا، وهو يقدم اعتذاراته الكيسة للدب. بإمكانه أن يجعلك ترى الرجلين العجوزين الشقيقين مستترين خلف ستائرهما الرثة. «عليكم أن تقابلوا دانكن.» هذا ما قالته غالبا. ألم تقل هذه القصة لتوضح فقط أنها كانت تعرف دانكن، أنها كانت تعيش مؤخرا مع رجل، رجل مشوق، رجل مسل ومغامر؟ أرادت أن تؤكد لهم أنها لم تكن دائما وحيدة ومنطلقة في أسفارها بلا هدف. كان عليها أن تبين ارتباطها بأحد. وقد كانت غلطة؛ فليس من المرجح أن يعتبروا المرء مغامرا لجمعه الأوراق القديمة من البخلاء وغريبي الأطوار لكي يؤلف كتبا عن أحداث وقعت منذ مائة عام. ما كان يجب حتى أن تقول إن دانكن كان رجلا تعيش معه. كل ما قد يعنيه هذا، بالنسبة إليهم، أنها امرأة عاشرت رجلا دون زواج.
Bog aan la aqoon