Aqbat Wa Muslimun
أقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م
Noocyada
وقد أظهر الخلفاء مرارا رغبتهم في إبعاد الأقباط من الوظائف الإدارية، كما أنهم أظهروا خيبة أملهم - شفهيا إن لم يكن كتابيا - كلما وجدوهم في مناصبهم، ولكن دراية عمرو بن العاص السياسية تغلبت على تزمت عمر الديني، ولما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة بعد مضي قرن من فتح مصر، ذكر حكام الأقاليم بواجبهم، ووجه إليهم رسالة قوية قال فيها: «عمر بن عبد العزيز يقرأ لكم كلمات الله هذه «وهنا ذكر بعض الآيات القرآنية الخاصة بالذميين»، لقد سمعت أنه فيما مضى، عندما كانت الجيوش الإسلامية تدخل البلاد، كان المشركون يذهبون لمقابلتهم وأن المؤمنين يطلبون معاونتهم في إدارة البلاد لسدادة رأيهم ودرايتهم في الشئون الإدارية وجباية الضرائب، ولكن لا يوجد الرأي السديد ولا الدراية عند الذين يستأثرون غضب الله ورسوله، ثم إن الله أمر بنهي هذه الحالة، ولا أود أن يخبرني أحد بأن واليا ترك في ولايته عاملا يدين بعقيدة غير العقيدة الإسلامية، وأني سأقبل هذا الوالي في الحال، وأنه من الواجب علينا أن نبعد الذميين من الوظائف كما أنه من الواجب علينا أن نقضي على دينهم، فليخبرني كل وال عما فعله في ولايته.
90
ولما تلقى أيوب بن شرحبيل هذه الرسالة، ألغى امتياز الأقباط الخاص بإدارة أموال المقاطعات وأحل المسلمين محلهم.
91
ومع ذلك، لم يمض خمسة وثلاثين عاما على إصدار هذا الأمر حتى أخطر الخليفة العباسي المنصور بوجوب إصدار أوامر دقيقة بخصوص إبعاد الذميين من الوظائف، نعم إن هذا الإجراء لم يمهد له من قبل، بل كان ابن ساعته، فقد حدث أن تقدم إلى الخليفة بعض المسلمين، في أثناء حجة له، والتمسوا منه أن يحميهم من جور النصارى، بعد أن أذن لهم الخليفة بأن يتدخلوا في شئون المسلمين وأن يخبروه بكل ما يعلمونه خاصة بالأمويين، فما كان من المنصور إلا أن قال لكاتم أسراره: «هذا ختمي، خذه وابعث بأمره لطلب جميع المسلمين الذين لهم دراية في العمل، واكتب إلى جميع الولاة لكي يفصلوا الذميين من الخدمة.»، ولما كان كاتم أسراره مقتنعا من أن هذه الأوامر لن تدخل في دور التنفيذ، أجاب الخليفة بقوله: «لم أفعل شيئا مما أمرتني به؛ لأني على يقين من أن الذميين إذا أثير غضبهم، فعلوا الدسائس ضدنا.».
92
والواقع أن الذميين لم يقالوا أبدا دفعة واحدة من وظائفهم، بل أصبحوا في خلافة المهدي أصحاب الأمر والنهي، وأظهروا كبرياءهم حتى سخط عليهم المسلمون واحتجوا على ذلك: فأمر الخليفة حينئذ ألا يترك الوالي بجانبهم أي كاتب ذمي، وأمر أيضا بقطع يد المسلمين الذين يستعينون بكاتب نصراني
93
أما الخليفة المهدي الذي كان يوصي حكامه بأن يتخلصوا من موظفيهم الذميين، فلم يحاول قط تطبيق المبدأ الذي كان ينادي به، وقد استمر النصارى يتمتعون بشغل الوظائف الإدارية كما كان حالهم في الماضي، وأحسن دليل على ذلك ما صرح به المأمون لكاتم سره لما كان في مصر؛ «سئمت من الشكاوى التي أتلقاها ضد النصارى بخصوص اضطهادهم المسلمين، وعدم نزاهتهم في إدارة الشئون المالية.».
94
Bog aan la aqoon