Anwaar Wa Mahasin Ashcaar
الأنوار ومحاسن الأشعار
هذا الأعرابيّ جعل الطَّلل وهو ما شخص من آثار الدِّيار قوتًا للزَّمان، قد أكل الماضي منه، وقد بقيت منه بقيةٌ لما يأتي من الزَّمان.
ولقيس بن الخطيم:
أَتَعرِفُ رَسْمًا كاطِّرَادِ المَذَاهِبِ ... لِعَمْرَةَ وَحْشًا غيرَ مَوْقفِ راكِبِ
دِيار الّتي كادَتْ ونحن على مِنىً ... تَحُلُّ بنا لَوْلاَ نَجَاءُ الرَّكائبِ
قال أحمد بن يحيى اطّراد المذاهب ذهابها ومجيبئها، قال: والمذاهب: أجفان السُّيوف وغير موقف راكب قد استوحش منها إلاّ أن يمرّ راكبٌ بها فيقف متعجِّبًا لخلائها، وقال ابن حبيب: المذاهب: ألواحٌ مذهبةٌ وصحف مذهبةٌ كان يكتب فيها إلى الملوك ولا يكلَّمون.
وأنشد للنابغة الذُّبيانيّ:
وأَبْدَتْ سِوَارًا عَنْ وُشُومٍ كأَنَّهَا ... بَقِيَّةُ أَلْواحٍ عَلَيهنّ مُذْهَبُ
قال أحمد بن يحيى: أبدت سوارًا، أي كانت الرِّيح ساورت التُّراب، فأبدت عن وشوم، وهي رسوم الدِّيار. وللوليد بن عبيد:
أَمَحَلَّتَي سَلْمَى بكاظِمَةَ اسْلَمَا ... وتَعَلَّمَا أَنّ الهَوَى ما هِجْتُمَا
هل تُرْوِيَانِ من الأَحبّةِ هائمًا ... أَو تُسْعِدَانِ على الصَّبابَة مُغرَمَا
أَبكِيكما دَمْعًا لو أنّي علَى ... قَدْرِ الجَوَى أَبْكِى بَكَيْتُكُمَا دَمَا
أَينَ الغَزَالُ المُسْتَعِيرُ من النَّقَا ... كَفَلًا ومِن وَرْدِ الأَقَاحِى مَبٍْسِمَا
خُلِّفْتُ بعدَهُمُ أُلاحِظُ نِيَّةً ... قَذَفًا وأَنْشُدُ دَارِسًا مُتَرَسِّمَا
طَلَلًا أُكَفْكِفُ فيه دَمْعًا مُعْرِبًا ... بجَوىً وأَقْرَأُ منه خَطًّا أَعْجَمَا
تَأْبَى رُبَاهُ أَن تُجِيبَ ولم يَكُنْ ... مُسْتَخْبَرٌ ليُجِيبَ حتَّى يَفْهَمَا
وله أيضًا:
لدَارِكِ يا سَلْمَى سَمَاءُ تَجُودُهَا ... وأَنْفَاسُ رِيحٍ كُلَّ يَوْم تُعُودُهَا
وإِن خَفَّ مِن تلك الرُّسُومِ أَنِيسُهَا ... وأَخْلَقَ من بعْدِ الأَنِيسِ جَدِيدُهَا
مَنَازِلُ لا الأَيّام تُعْدِى على البِلَى ... رُبَاهَا ولا أَوْبُ الخَلِيطِ يُفِيدُهَا
وعَهْدِى بها من قبْلِ أَن تَحكُمَ النَّوَى ... على عِينِهَا أَلاَّ تَدُوم عُهُودُهَا
بَعِيدةُ ما بين المُحِبِّينَ والجَوَى ... ومَجْمُوعَةٌ غِيدُ اللَّيَالِي وغِيدُهَا
وللقصافيّ الأصغر:
محَلُّ الحيّ بالنّقوَين أَضحَى ... خلاءَ الرَّبْعِ مَهجورَ النَدِىِّ
تحمَّلَ أَهلُه ولقد أَراهُ ... شِفاءَ صَبَابةِ القَلبِ الشَّجِىِّ
ولأبي حفص الشَّطرنجيّ:
يا مَنْزِلًا دَرَسَتْ طُلُولُهْ ... وعَفَتْ مَعَالِمَه سُيُولُهْ
أَضْحى ولَيْسَ برَبْعِه ... إلاَّ الوُحُوشُ به تَجُولُهْ
ولعبد الله بن المعتزّ:
أَيُّ رَبْعٍ لآلِ هِنْدٍ ودَارِ ... دَارِسًا غَيْرَ مَلْعَبٍ وأَوَارِى
وثلاثٍ دَنَوْنَ لا لاشْتِياقٍ ... جالِسَاتٍ على فَرِيسَةِ نارِ
وعِرَاص جَرَتْ عليها سَوَفي ال ... رِّيح حَتّى غُودِرْن كالأَسْطارِ
ومَغَانٍ كانتْ بها العَيْنُ مَلْأَى ... من غُصُونٍ تهتزُّ في أقمارِ
سَحَقَتْهَا الرِّيَاحُ في كُلِّ فَنٍّ ... ومَحَتْها بَوَاكرُ الأَمْطَارِ
أين أَهلُ الدِّيارِ عَهْدِي بهم في ... هَا جَمِيعًا لا أَيْن أَهْلُ الدِّيارِ
هذا من قول البحتري:
أَين أَهلُ القِبَاب بالأَجرعِ الفَرْ ... دِ تَوَلَّوا، لا أَيْنَ أَهْلُ القِبابِ
ولعبد الله أيضًا:
لمَنْ دارٌ ورَبْعٌ قَد تَعَفَّى ... بنَهْرِ الكَرْخِ مَهجور النَّوَاحِي
إذا ما القَطْرُ حَلاّهُ تَلاقَتْ ... على أَطلالِه أيدِي الرِّياحِ
مَحَاهُ كلُّ هَطّالٍ مُلِحٍّ ... بوَبْلٍ مِثْلِ أَفْوَاهِ الجِرَاحِ
1 / 83