Anwaarul Nabiga
أنوار النبي(ص) أسرارها و أنواعها
Noocyada
قال (صلى الله عليه وسلم): «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد (1)»، فبحسب ظهور التذلل في التصرفات والأوصاف والأحوال تتحقق العبودية، فيتحقق القرب والدنو لمقابلة من العلو، من حيث إن أقرب قريب لا طرف منظر فيما يقابله من الطرف الآخر؛ ليظهر معنى من الختم لالتقاء الطرفين.
قال (صلى الله عليه وسلم): «لا يزال الله من العبد والعبد من الله ما لم يخدم، فإذا أخدم وقع عليه الحساب (2)»، ولذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخدم في مهنة أهله، ويقم البيت، ويرقع القميص، ويخصف النعل، ويتولى علف فرسه بيده، ويناول السائل بيده، ويضع يده مع الخادم في الطحين، ويجلس للأكل جلوس العبد كجلوسه في الصلاة؛ لتكون هيئته في تعبده في صلاته وفي أكله هيئة واحدة، فيكون دائم العبودية غير منصرف عنها، ولما قيل له في ذلك قال: «إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد (3)».
وقيل له مرة: أتأكل كما يأكل العبد؟! فقال: «وأي عبد أعبد مني (4)».
فكان (صلى الله عليه وسلم) يتخلى عن وجوه الترفعات كلها في ملبسه ومطعمه ومشربه ومبيته ومسكنه؛ إظهارا لظاهر العبودية فيما يناله العيان منه صدقا عما في باطنه من تحقق العبودية لربه بما هو بمعنى الذي جاء بالصدق وصدق به، وكان يظهر ذلك في أحوال ما يغلب عليه وصف العزة تحقيقا للعبودية وتخليا للعلي الحق.
دخل (صلى الله عليه وسلم) مكة عام الفتح حين أحل الله له ما لم يحل لأحد قبله ولا يحله لأحد بعده بما
Bogga 263