وقد يعرض لجميع المقدمات الممكنة أن يرجع بعضها على بعض، لست أعنى: الواجبة منها على السالبة، ولكن كل ما كان منها موجبا رجعت فى المقابلة، فيرجع القول بأنه ممكن أن يكون على القول بأنه ممكن ألا يكون. وأما القول بأنه يمكن أن يكون فى كل الشىء، فإنه راجع على أنه يمكن أن لا يكون فى شىء منه أو على أنه يمكن أن لا يكون فى كله. والقول أنه يمكن أن يكون فى بعض الشىء فإنه راجع على القول أنه يمكن ألا يكون فى بعضه. وكذلك يعرض فى سائر القضايا الممكنة. ولأن الممكن غير اضطرارى، وما ليس اضطراريا يمكن ألا يكون — فبين إذن أنه إن كان يمكن أن يكون ا فى ٮ، فإنه يمكن ألا يكون فيه. وإن أمكن أن يكون فى كله، فإنه يمكن ألا يكون فى شىء منه. وكذلك يعرض فى القضايا الجزئية الواجبة. والبرهان فى ذلك هو البرهان فيما تقدم. وهذه المقدمات هى واجبة غير سالبة، لأن قول القائل: «يمكن»، يصير القضية موجبة على نحو ما يصيرها قول القائل هو أو موجود، كما قيل أولا.
فإذ قد حددت هذه الأشياء، فإنا نقول أيضا إن الممكن يقال على ضربين: الضرب الواحد: ما كان على الأكثر وغير ثابت الاضطرار، مثل أن يشيب الإنسان أو ينمى أو ينقص — وفى الجملة ما كان مطبوعا أن يكون، لأن ذلك ليس بدائم الاضطرار، من أجل أن الإنسان غير باق أبدا. فأما والإنسان موجود، فإن الشىء المطبوع فيه إما أن يكون اضطراريا، وإما أن يكون على الأكثر. والضرب الآخر هو غير المحدود، وهو الذى يمكن فيه أن يكون وألا يكون، مثال ذلك: أن يمشى الحيوان؛ أو: إذا مشى حدثت رجفة، أو بالجملة ما يحدث عن الاتفاق. فإنه ليس كونه بهذه الحال أولى من كونه بضدها.
Bogga 144