بيلاد :
تبارك الله! لقد كان يقفني بغير انقطاع، كأنما أخذ علي الطريق إلى بلاد اليونان منذ ذلك اليوم المشئوم الذي فرقت فيه ثورة الماء بين سفننا وقد كادت تكون بمرأى من ساحل إبير. كم احتملت في هذا المنفى من خوف! كم سكبت فيه على آلامك من دمع! لقد كنت أخشى عليك دائما خطرا جديدا لا تستطيع مودتي الحزينة أن تحمل عنك شطره! وكان أخوف ما أحذره عليك هذا الحزن الذي رأيتك دهرا طويلا قد واريت نفسك فيه، كنت أخشى أن يمنحك الله معونة قاسية فيهدي إليك الموت الذي طالما سعيت إليه، ولكني أراك يا مولاي، ولو استطعت لقلت إن حظا أسعد من حظك القديم قد جاء بك إلى إبير، فإن هذه المظاهر الفخمة التي تبعت خطاك إلى هذا المكان لا تلائم شقيا يلتمس الحمام.
أورست :
وا حسرتاه! من ذا الذي يستطيع أن يعرف القدر الذي جاء بي؟ وقد اضطرني الحب إلى أن أبحث هنا عن امرأة قاسية، ولكن من يدري بم يقضى في أمري؟ أجئت ألتمس هنا الحياة أم الموت؟
بيلاد :
ماذا؟ أبلغ من إذعانك للحب أن تعتمد عليه في تدبير حياتك! أي سحر يحملك على أن تعود إلى أغلال الحب ناسيا ما قاسيت من العذاب؟! أتظن أن هرميون التي لم يكن قلبها يعرف الرحمة في إسبرتا ستكون أرفق بك في إبير؟ لقد كنت تبغضها مستخذيا لكثرة ما عللت به نفسك من أماني كاذبة، بل لم تكن تحدثني عنها، أكنت تخدعني يا مولاي؟
أورست :
كنت أخدع نفسي. أيها الصديق! لا تقس على شقي يحبك، أتراني حجبت عنك قط قلبي وأهوائي؟! لقد شهدت منشأ لوعتي وأولى زفراتي. ثم لما قضى منيلاس بابنته إلى بيروس ذلك الثائر لأسرته، رأيت يأسي ورأيتني منذ ذلك اليوم أجرر من بحر إلى بحر أغلالي وأحزاني. لقد رأيتك، وقلبي آسف، في تلك الحال المنكرة راضيا أن ترافق في كل مكان ذلك التعس أورست، تهدئ دائما من ثورة غضبي وتنقذني من نفسي كل يوم، ولكني لما ذكرت أن هرميون كانت تمنح بيروس ظرفها كله بينما كنت أقاسي الآلام، امتلأ قلبي بما علمت من غيظ، وأردت أن أجزي ازدراءها لي بالنسيان، حملت الناس على أن يعتقدوا واعتقدت أنا أن انتصاري لا شك فيه، وشبهت علي ثورة الحب بثورة البغض، وجعلت مبغضا قسوتها غاضا من محاسنها، أتحدى عينيها وأزعم أنهما لن تبعثا في نفسي اضطرابا. انظر كيف استطعت أن أكظم حبي! وفي هذا الهدوء الخداع وصلت إلى بلاد اليونان، فوجدت أول الأمر هؤلاء الملوك مجتمعين كأن خطرا عظيما قد أثار في نفوسهم القلق.
أسرعت إليهم وكنت أظن أن الحرب والمجد سيملآن نفسي بما هو أجل من الحب خطرا، وأن مشاعري إذا استردت قوتها الأولى لم تبق للحب في قلبي باقيا، ولكن اعجب معي من هذا الحظ الذي يتبعني فيدفعني إلى هذا الشرك الذي أتقيه! أسمع من كل ناحية نذيرا لبيروس وكل بلاد اليونان تعلن سخطا مختلطا، يتبرم الناس جميعا بأنه يربي في قصره عدو اليونان وقد نسي دمه ووعده، يربي أستيانكس ذلك الصبي الشقي ابن هكتور: بقية أولئك الملوك المدفونين تحت أنقاض طروادة، لقد علمت أن أندروماك لتستنقذ ابنها من العذاب، خدعت الفطن أوليس فتركته ينتزع من بين ذراعيها ويدفع إلى الموت صبيا آخر انتحلت له اسم ابنها. ويقال إن بيروس قليل التأثر بسحر هرميون، يحول عنها قلبه وتاجه، ومنيلاس محزون لذلك دون أن يصدقه، وهو يتبرم بهذا الزواج، قد أهمل دهرا طويلا، وبينما يغمر الغيظ نفسه يشرق في نفسي سرور خفي، فأنا أبتهج، على أني أزعم قبل كل شيء أن الانتقام وحده مصدر هذا الابتهاج، ولكن ما أسرع ما استردت الجاحدة مكانها من قلبي. لقد رأيت فيه ندوب تلك اللوعة التي لم يكن قد تم هدوؤها، وأحسست أن بغضي لها يوشك أن ينقضي، بل أحسست أني كنت أحبها دائما، وكذلك أعرض على اليونان جميعا سفارتي عنهم؛ يرسلونني إلى بيروس فأقدم عليه لأعلم هل من سبيل إلى أن ينتزع من بين ذراعيه هذا الصبي الذي تقلق حياته كل هذه المدن، وإني لسعيد إذا أتاح لي هذا النشاط الذي يدفعني إلى العمل أن أختلس منه الأميرة مكان الصبي! فلا تنتظر آخر الأمر أن هذه النار المضاعفة التي تضطرم في قلبي تستطيع أن تضعف مهما يحط بها من خطر، لقد بذلت جهودا لا تحصى، فلم تكن مقاومتي إلا غرورا، فلأستسلم إذن ولألق بقيادي إلى القضاء، إني أحب وجئت إلى هذا المكان ألتمس هرميون، لأعطفها علي ولأخطفها أو لأموت أمام عينيها، وأنت الذي يعرف بيروس، ماذا ترى أنه صانع؟ حدثني ماذا يجري في قصره وفي قلبه؟ أما تزال حبيبتي هرميون مسيطرة عليه؟ أتراه يرد إلي - بيلاد - هذه الثروة التي اختلسها مني؟
بيلاد :
Bog aan la aqoon