أدوار الرواية ومشخصيها
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
أدوار الرواية ومشخصيها
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
أندروماك
أندروماك
مسرحية تشخيصية ذات خمسة فصول
تأليف
أديب إسحق
أدوار الرواية ومشخصيها
بيروس:
ملك.
أورست:
سفير.
بيلاد:
وزير.
هرميون:
خطيبة بيروس.
أندروماك:
أرملة هكتور.
كليون:
سميرة هرميون.
سفنز:
سميرة أندروماك.
حجاب:
عدد 4.
حرس:
عدد 2.
الفصل الأول
في قصر بيروس (في حجرة منه)
الجزء الأول
أورست - بيلاد (كلاهما يدخل من جهة، ويلتقيان بلا انتباه.)
أورست :
صفحا لدهري عما قد أتى وجنى
من بعد لقياك يا كل الهناء هنا
بيلاد :
يا من إذا غاب عني كان في خلدي
لولا التقادير ما تم اللقاء لنا
لما قضى الدهر ظلما بالنوى ونأى
عنا الهنا ولقينا البؤس والحزنا
لبثت مكتئبا أخشى عليك أذى
يبدو وجيش اصطباري عنك قد وهنا
وقد تركتك يا مولاي في كدر
كادت تفارق فيه روحك البدنا
يبدي لك اليأس أهوالا منمقة
فتحسب العيش طيشا والمنون منى
لكن أراك ومن لي أن تكون هنا
لما يكون به الإقبال مقترنا
أورست :
دعا الغرام فؤادي وهو مالكه
فجئت كيما ألاقي من بها افتتنا
بيلاد :
حملت نفسك ما يودي بها ولقد
ركبت فيما فعلت المركب الخشنا
وجئت ترجو الوفا من مبلغ غدرت
فهل نسيت الشقا والحزن والشجنا
احذر! هديت، فذات الغدر ما برحت
تبدي الوداد وتخفي المكر والضغنا
أورست :
عرضت نفسي في سوق الهوى فإذا
قضيت في الحب لا أبغي لها ثمنا
بيلاد :
لقد كنت إذن تخدعني بالكلام، وتزعم أنك اعتزلت الغرام.
أورست :
مولاي لم أخدعك، وإنما كنت أحاول أن أخدع ذاتي، وقد كنت تسمع أنيني وتلهفاتي، لم تر بعد ارتباط هرميون ببيروس ما حل بنفسي وما لقيت من حزني ويأسي، حتى تركت الأوطان والأوطار وسرت هائما في البحار، أصل الليل بالنهار، وأمزج الهموم بالأكدار، وكنت أحسبك لي في هذه الأيام رفيقا، وأرجو مساعدتك فإنك كنت بي برا رفيقا، وأنا أحاول سلو هرميون والنجاة من العذاب فلا أجد إلى ذلك سبيلا، وألتمس الهداية إلى الصواب فلا أرى لي دليلا، ولما أعياني ما أقاسي، ولم أجد لي من مواسي، جندت جيوش العدوان، وعقدت راية السلوان، وسرت إلى اليونان على أمل الظفر، ولكن إذ وقع القضاء عمي البصر.
بيلاد :
وماذا كان بعد ذلك ألقيت ما ترجوه هالك؟
أورست :
رأيت محفلا حشد إليه الأمراء، فرجوت أن يكون اجتماعهم لحرب، ألهو بها وينجلي عني الكرب، فكذبت ظني حقيقة الحال، وما كل مطلوب ينال، وسمعت الجيمع يتوعدون بيروس ويقولون: إنه نقض عهده وحفظ عدو اليونان عنده، وذلك أن ابن هكتور الذي نجا من عولس بحيلة أمه وقع معها في سهمه، فجذبته أرملة هكتور بعينيها، فمال عن هرميون إليها، وقد ساء ذلك أبا هرميون منلاس أما أنا فبالعكس، ورب غيظ نفس فيه شفاء نفس، إلا أن تلك الغادرة التي رعيت ذمامها، استرجعت فورا في قلبي مقامها، ورأيت أن غيظي كاد ينتهي وأن قلبي عن حبها لا ينتهي.
بيلاد :
من ليس يسأل عني
فلست أسأل عنه
ومن غدا الغدر يجني
لا ترتج الخير منه
الناس لاموا ومالوا
عن شكر صاحب منه
إن تحسن الفعل قالوا
فرض عليه وسنه (نشيد)
أورست :
لا تلمني فلا يفيد الملام
حكم الحب واستتب الغرام
يا أخا العدل خل ذا العدل جودا
إنما لوم من يحب حرام
واستمع تتمة الكلام، وهواني دخلت ذلك المقام، فانتخبوني سفيرا إلى بيروس لأطلب ذلك الغلام، ومن لي بأن آخذ بدلا منه هرميون فأشتفي من لواعج الغرام، فإني وأجارك الله أيها الصديق سلمت إلى غرامي تسليم أعمى إلى رفيق، أحب هرميون وقد سرت إليها، فأراها وأختطفها أو أموت بين يديها، وأناشدك الله أن تقول لي ما شأن بيروس وشأن حبه، وماذا يحدث في قصده وفي قلبه وهل تهواه هرميون كي يهواها، أم تعرض عنه جزاء ميله إلى سواها.
بيلارد :
أراه يسلمك إياها ولا يكلفه ذلك عناء جزيلا؛ لأنه يتعشق أرملة هكتور ولا يرى إلى مرضاتها سبيلا، فإنها لا تقابله إلا بالرد ولا تمن عليه إن سأل بالرد، وهو تارة يتهددها، وطورا بقتل ابنها يتوعدها، ثم يتذلل ويخضع فلا تلين ولا تسمع، وربما غضب فتجنب، ثم يرضى فيتقرب، فكيف يتهيأ لي أن أعرف حقيقة أمره وهو عاشق قد استولى الغرام على فكره؟
أورست :
أترضى بهذا هرميون وتصبر
وتثبت في حفظ الوداد ويغدر
بيلاد :
تسوم اصطبارا كلما زاد غدره
وتخضع في كل الأمور وتعذر
لها مقلة بالدمع شكرى ومهجة
من الغدر تشكو فهي تشكو وتشكر
وتدعوك أن أربى البلا مستجيرة
فأنت لمن يدعوك في الضيق تنصر
أورست :
واسروري لبيك يا من دعاني
فأنا والوفاء خير رفيق
بيلاد :
مه لقد أقبل المليك فحاذر
واكتم الأمر ... ... ... ...
أورست : ... ... لا تخف يا صديقي
بيلاد :
أكثر القول طالبا كل شيء
واسلكن للشقاق كل طريق (ويذهب)
الجزء الثاني
أورست - بيروس - فنكس (الوزير)
أورست :
سلام أيها الملك الهمام
ودام لك ارتفاع لا يرام
علوت بهمة ليست تضاهى
وأجداد هم القوم الكرام
إليك يا من فتحت بحسامك تروادة، بعد أن بلغ والدك الهمام من هكتور مراده، أتيت سفيرا من أمراء اليونان، أحمل إليك عتبا، وأرجو ألا يحمل على العدوان، وذلك أنهم يرون أن شفقة غير سديدة، حملتكم على حفظ بقية حرب شديدة ... أعني بذلك ابن هكتور ألد أعداكم، الذي جعلتموه في حماكم، وإن ذلك لمن العجاب. فكيف نسيتم هكتور وما حملنا من العذاب؟ لعمري إن شعبنا يتذكر ذلك البطل، وفي كل قلب منه وجل، وما من بيت إلا ويطلبه بثار، وما من يوناني إلا وفي قلبه منه نار، ومن يدري والغلام سر أبيه، ما عسى أن نعانيه منه ونلاقيه، فنراه بعد حين مهاجما مراكبنا، كما رأينا أباه داهما مواكبنا، وإني أخاف أن تكون عقبى اهتمامك به واعتنائك ملاقاة بلائك، وإن الحية التي تربيها، تجرعك السم من فيها، فدارك أمر غدرك قبل فوات يومك، وأبعد عنك عدوا يستنجد بك على قومك.
بيروس :
ما خلت أن مثل هذا الاهتمام يكون لهذه النازلة الصغيرة، وأن حضور ابن أغا ممنون الهمام يكون لهذه الحاجة الحقيرة، وأن قوما طار صيت انتصاراتهم وأخبار غاراتهم، يتنازلون إلى طلب صبي لا يعرف الحي من اللي، وكيف يزعمون أني أسلمه وفي بقية؟ أم أي سلطان لهم على أسير حصل لي بالقسمة الشرعية؟ وهل مددت إلى ما حصل لهم يدا أم عارضت منهم أحدا؟ وكيف يخافون تجديد سطوة هكتور وابنه في هذا النادي؟ والله لقد عز الصبر عن هذا التمادي، أم كيف يزعمون أن أهل تروادة يقصدون الانتقام بعد خلو بلدهم من رجال الصدام؟ وإني أتذكر حال تلك المدينة وما كانت عليه، وأرى الآن ما صارت إليه فإنها كانت سلطانة آسيا ومقام صناديد الرجال، ولم يبق بها الآن سوى بقية أطلال سقيت بدم الأبطال، وصبي في القيود والأغلال، وحيث كان قتل ابن هكتور ضربة لازب عند اليونان، فلماذا أخروه إلى الآن؟ ولم لم يقتلوه وهو في حضن بريام مع من قتل من أبطال قومه الكرام؟ وكيف يطلبونه حين لم يبق من قومه غير شيوخ وغلمان فقدوا الحامية الأنصار، وبات يروعهم هدو الليل وذكر الانتصار، وإني حين الحرب لم آل جهدا في المقاتلة، وعاملت المنكسرين بما اقتضت الحال من المعاملة، ولكني لا أرتكب فوق جرائري هذا الجرم الكبير، ولا ألطخ يدي بدم غلام صغير ما له نصير، لا ومن براه فليطمع اليونان في سواه، ويطلبوا في غير هذا المكان بقايا تروادة اليسيرة، ويعلموا أن الذي أنقذته تروادة تحميه أبيرة.
أورست :
ولكنك تعلم يا مولاي أن هذا الغلام لم ينج إلا بحيلة أمه، إذ بدلته بغلام دعته باسمه، أما اليونان فلا يطلبون البقايا التروادية، وإنما مطلبهم من ألحق بهم المصيبة والبلية، ويخافون أن يلاقوا منه هكتورا ثانيا بعد ما أورثهم هكتور الأول ضررا كافيا، وألحق بهم ما شاء الله من العناء، وربما حملهم طلب هذا الغلام على قصده وهو هنا.
بيروس :
أهلا بهم ليس المجال بعيدا
وأخو البسالة لا يخاف وعيدا
إن يقدموا فلقد تقدم ظلمهم
قبلي أبي حاميهم الصنديدا
سيعيد ظلمهم فتى متظلما
ولرب ضر قد يكون مفيدا
أورست :
ما خلت أنك من طراز المخلفي
ن وعودهم الناقضين عهودا
بيروس :
لقد انتصرت لأستبد فكيف أر
ضى بالخضوع وما أنا رعديدا
أورست :
ترضى به طوعا لعين حليلة
ترنو إليك فتبلغ المقصودا
عين بمغناطيسها لما سطت
جذبت فؤادك حيث كان حديدا
بيروس :
هذي عيون في الغرام أطيعها
لكن نفسي تكره التقييدا
ختم الكلام فسر إليها ذاكرا
ما قلت وارحل إن سئمت ربودا (أورست يذهب)
الجزء الثالث
بيروس - فنكس
فنكس :
لقد أحسنت إليه في معرض الإساءة، وأرجعت النحل إلى المباءة، وقربته وأنت تريد أن تبعده، وجمعت شمله وأنت تروم أن تشرده، فأرسلته إلى من يحبها حبا عظيما.
بيروس :
يقال: إنه كان يعشقها قديما.
فنكس :
رب هوى باللقاء يتجدد، كالنار إن تعرضت للهواء تتوقد.
بيروس :
إني أعلم يا فنكس أنها لا تؤثر علي بالحب أحدا، ولا تميل إلى غيري أبدا، مع علمها بما أنا عليه من اعتزال هواها والميل إلى سواها، أما ميل أورست إليها فلا يقتضي ميلها إليه، وما قيل: إن من الفؤاد إلى الفؤاد سبيلا قول لا يعتمد عليه، على أن رجوعهما إلى ما كانا عليه من التواد يجلب سروري، وإذا اتفقا على الرحيل فإني أفتح لهما جميع ثغوري.
فنكس :
سيدي.
بيروس :
لله يا فنكس لا تطل الكلام في هذا المقام، فإن في قلبي أمورا سأذكرها لك لتنظر إليها نظر بصير، وترشدني إلى حل مشكلاتها إرشاد مشير، ولا أكتمك أمرا من الأمور الخافية ... دع هذا الآن فإن أندروماك آتية.
الجزء الرابع
بيروس - فنكس - أندروماك
بيروس :
دنت وقد انثنت فرنت غزالا
ومالت بانة وبدت هلالا
تلفت بها ولو حيت لأحيت
قتيل صبابة ألف القتالا
مهفهة رأت وصلي حراما
يعاف وقد رأت قتلي حلالا
أتت بعد الجفا من غير وعد
تفاجئني بناظرها اغتيالا
فجال الدمع فيه وقد أراني
حساما قد أجاد له الصقالا
أندروماك :
أبكي على ولد أليف عذاب
في السجن بات سمير كل مصاب
ولد أراه كل يوم مرة
وا قلة الأنصار والأصحاب
هذا بقية مهجة أتلفتها
في محبس أنفقت فيه شبابي
فلبست ثوب السقم بعد تنعمي
وجعلت من دمع العيون خضابي
بيروس :
لكنما اليونان سوف يهيئو
ن لك البكا من غير هذا الباب
أندروماك :
ماذا عسى يبغون بعد قطيعتي
وتلهفي وتألمي وعذابي
بيروس :
ولدا أذاقهم أبوه شدائدا
بقتاله ... ... ...
أندروماك : ... بالله رق لما بي
ما ذنب طفل في الأسار معذب
ألف الشقا وتحمل الأتعاب
قد أهلكوا أبطالنا وحماتنا
وقضوا على أموالنا بنهاب
ماذا أجبت رسولهم مولاي هل
جاريتهم فأجبت بالإيجاب؟
بيروس :
لا قد رفضت وقد توعدني الرسو
ل وما برحت مقاوما بجوابي
ولسوف تأتيني المراكب عدة
فيها صنوف مواكب الركاب
عاديت قومي مثلما شاء الهوى
ورددتهم أملا بنيل طلابي
عاديتهم حبا بذات ملاحة
لما حلت جلبت مرير عذابي
فلعل ناظرها يقوم بنصرتي
ولعلها تشفي الجوى بخطاب
يا من إذا حاربت عنها راعني
من لحظها الفتاك رشق حراب
إني أقاتل عنك لا متهيبا
إلا قتال تجنب وتصاب
هو ذا يدي هذا فؤادي ها أنا
نبدي الخضوع لحسنك الغلاب
أندروماك :
تجلد ولا تظهر الضعف، فإنك في البسالة آية، وانعم بإحسان مجرد فخير الإحسان ما كان بلا غاية، أيغلبك العشق فتخضع له اضطرارا، ولا تخاف في إظهاره عارا، وتزعم أن أندروماك يطيب لها هذا الغرام، وهي على ما ترى من الأسر والحزن والسقام؟ وأي جمال يلوح لك في عينين حكمت عليهما فعالك بالبكاء، فخلهما واحترم مشهد تعاستنا بعد النعمة والهناء، وأنقذ غلاما بات في أسرك ذليلا، وكان من قبل جليلا، ورده على والدة حزينة باكية، ولا تجعلها تفديه ببقية مهجة بالية، أنقذه ولو أبت أمه فهو جارك وجار الكريم لا يضام، فذلك عمل يليق بابن أشيل الهمام.
بيروس :
أعيذك من البغض اللازم والقصاص الدائم، فقد أسقمتني بالتجني والصد، وأتلفتني بعدوان ما له حد، فإن كنت أبكيتك دمعا يوم كانت يدي ملطخة بدم أقوامك، فقد أبكيتني دما لم أسفك مقداره في غرامك، وإن كنت لقيت بسببي عذابا فقد احتملت صنوف العذاب، فأنا مطلق الدمع مقيد القلب أليف السهاد، وهي صنوف عذاب في الغرام عذاب، فهل بلغت بظلمي غاية ظلمك؟ وعلى فرض ذلك ألم يكن من اعتذاري ما يقتضي مزيد حلمك؟
وإن كان ذنبي كل ذنب فإنه
محا الذنب كل المحو من جاء تائبا
فكفانا سيدتي معاقبة متتالية تقضي بإتلافنا، وليكن أعداؤنا سببا لإتلافنا.
تجاوزت حد التهاجر والصد
تجاوز طرفك في حده الحد
وقد كفر الدمع لما هي
ذنوبا جناها الحسام المهند
وأديت دين الوداد وهذا
حساب ذنوبي بدمعي مسدد
هجرت منامي بفرط غرامي
وسامرت بدرا حكاك وفرقد
فيا ثغر بالله فسر غرامي
فإنك تروي حديث المبرد
ويا قد ما بال قلبك يقسو
وأنت تكاد للينك تعقد
تثنيت لما جمعت الجمال
وما زلت يا جامع الحسن مفرد
ويا من تجنت على من جنت
عليه الغرام فبات مشرد
حنانيك إن الغرام رماني
وأطلقت دمعي وقلبي مقيد
وإني لأحمي الغلام بعزمي
وحزمي حتى أموت وألحد
وإن طال عمري ينل بحسامي
عزا عزيزا وملكا موطد
فجودي بعطف علي تسودي
وعودي عن الظلم فالعود أحمد
أندروماك :
سيدي إن جميع هذه الوعود لا تغني في حزني شيا، وكنت أعد بها ابني لو كان أبوه حيا ... (التفات)
فيا أيها الأطلال البالية، ويا أيتها الأوطان الفقيدة الغالية، إن في قلبنا من الشوق إليك لنارا حامية، ومن لنا بأن نراك بعد موت المقاتلة والحامية.
عليك دموعي جرت بانسكاب
تحاكي السحاب السحاب السحاب
فرحماك مولاي يا ذا الهمام
وانقذ غلاما ... غلاما ... غلام (على قد ملكتم فؤادي.) (التفات)
رحماك يا مولاي، إن دمعي الهامع لا يسألك غير الرحيل فهو غاية رجاه، فاسمح لي أن أذهب بابني فأخفيه وأبكي أباه، وقد علمت أن ميلك إلينا يورثك بغض قومك والويل، فارغب في هرميون عني فإنها أجدر مني بهذا الميل.
بيروس :
يا غزالا يروم مني سلوا
عنه والحب في فؤادي لابث
زادني العذل في هواك ثباتا
رب عذل أضحى على الحب باعث
فأجرني أجارك الله من شو
قي وكن لي من سهم عينيك غائث
يا لقومي صار الحبيب عذولا
إن هذا لمن صروف الحوادث
بالله لا تعذلي قلبا عن هواك لا يحول، وارحمي طرفا في غير محياك لا يجول، فليس بإمكاني أن أرغب في هرميون وأميل إليها، وأقبل بعد الإعراض عليها، فقد ملكتك قلبي، ولك فيه الأمر والسلطان، فكيف أهواها وليس لي قلبان، ومن يرى ما لك عندي من عظم الشان، ورفعة المكان، ولا يظن أنك الأميرة وأنها الأسيرة، آه آه، أواه قول مغرم أواه، لو سمعته هرميون لنال فؤادها مناه.
أندروماك :
وهل تريد أن تسمعك متنهدا بعد أن صارت صاحبة أمرك وولية سرك وجهرك؟ وهل تنسى ما خضت لأجلها من المهالك، أم هي تطمع في غير ذلك؟ ألم يكفها سوء حالي وأسري وإذلالي، أم تريد أن تضرم في قبر هكتور نارا؟ أي ذكر رهيب لهكتور من حبا أباك مجدا كما حبوتك بدمعي اشتهارا.
بيروس :
كم ذا التجني والدلال، ولقد عز الصبر ولم يبق للعفو مجال، فأنا أسلوك وأبغضك إن أمكن، فقد طال ما عاملتك بالتي هي أحسن، واعلمي أن بغضي يكون كحبي شديدا، وأن رجوعك عن غيك بعد ذلك لا يكون مفيدا، وإن الابن يؤخذ بأعمال أمه لا محال، فأسلمه إلى اليونان، وأنجو من المشاكل والأهوال.
أندروماك :
يموت ابني ... ابني يموت، ولا معين له ولا شافع، إلا معين دمعي الهامع، وعسى أن يقصر ذلك عذابي، ويريحني مما ألاقيه، فالحق به لنلتقي معا بأبيه.
بيروس :
اذهبي إليه أيتها السيدة، وانظريه وقبليه وعانقيه وافتكري أن تنقذيه.
الجزء الخامس
أندروماك
أندروماك :
أيا دهر ما لي في العذاب ضريب
فقد حل بي يا دهر منه ضروب
رميت بأنواع المصائب مهجتي
وسهمك يا رامي المصاب مصيب
وأمرضتني لما سلبت أحبتي
وليس لدائي في الديار طبيب
بكيت وكان الدمع من ذوب مهجتي
وكفي بحناء الدموع خضيب
فإن كان لي ذنب وأنت مؤاخذ
فإني من ذنبي إليك أتوب
جار دهري وما من مجير
ونأى بعد عزي نصيري
فغدا قلبي كئيبا بالمصائب
وجفاني طيب أنسي
وتولى اليأس نفسي
يا إلهي أنت ملجأ كل طالب
فأجر نفسي من هذه النوائب
دهور جور لا يبالي
بتلافي ووبال
بات جسمي منه بالي
وهو بالأوجال جال
قد جار بي دهري
فحرت في أمري
وما من الدهر مجير
يا لدهرا من أذاه
طاب بالجسم بلاه
كيف أنجو من بلاه
وهو بالفصال صال
يا خالق الكون
كن في البلا عوني
فأنت لي خير نصير (على قد «العيون الكواسر سبوني».) (أو يقال بدلا منه: رماني زماني، وشفى عواذلي مني، وجار على ضعفي بقصده ابني. دموعي جرت على الخدود، فأضرم في قلبي الوقود، وشمت في الحسود، يا ترى زماني يعود، فيحلو الورود. وأخلص من حزني.لا تظلموني، بل ارحموني وخلصوني، عولوا غلامي، وارعوا زمامي، واشفوا أوامي. لا تظلموا الأطفال، يا أيها الأبطال، وأنقذوني.)
الفصل الثاني
في قصر بيروس (في حجرة هرميون)
الجزء الأول
هرميون - كليون
هرميون :
أرضى بما رمت أرضى
وليتني لست أرضى
أورست عما قليل
يجيء والأمر يقضى
كليون :
قد كان وهو بعيد
لا يلتقي منك دحضا
فصار وهو قريب
يلقى نفارا ورفضا
عجبت مما أراه
حب تحول بغضا
هرميون :
لا تعجبي فانقلابي
عن قبحه ليس بغضى
قابلت بالغدر حبا
قد جاء بالود محضا
فإن رآني وحالي
بمثلها ليس يرضى
يشف الفؤاد انتقاما
وينفض الثوب نفضا
فلست أرضى بهذا
يا ليتني كنت أرضى
كليون :
لا تنفري عن محب
ببغض ودك يرضى
فليس يجفوك صب
ذو مهجة منك مرضى
يرى ودادك دينا
ويحسب الصبر فرضا
هرميون :
مناسب الآن يأتي به بيلاد، فأنيله من لقائي المراد.
كليون :
وما عسى أن تكون إرادة أبيك في هذا الباب؟
هرميون :
لقد أتاني منه كتاب يأمرني أن أسير إلى اليونان بلا تأخير، إن أبى بيروس أن يسلم الأسير.
كليون :
فاتكلي إذا على أورست؛ ليعلم بيروس عاقبة الغدر كيف تكون، وتالله لا يفلح الظالمون.
غادريه وكفى ما قد جرى
ودعيه إنه قد غدرا
هرميون :
كيف أسلوه وقلبي في يديه؟
إن روحي نزعت مني إليه
ليس صبري عنه كالصبر عليه
لا تلومي إن من ذاق درى
كليون :
غادريه إنه قد غدرا
ولقد ذاق ولكن ما درى
هرميون :
مهجتي من حر شوقي تحترق
وفؤادي في هواه تحت رق
وسهام الغدر قلبي تحترق
ووشاة الدمع تروي ما جرى
كليون :
غادريه إنه قد غدرا
وكفى سيدتي ما قد جرى
هرميون :
لا تقولي قد كفى ما حصلا
فاهجري أو فاصبري صبرا حلا
زادني الصبر مصابا وبلا
فاز إلا في الهوى من صبرا (على قد «باهي السنا لما انثنى إلخ».)
كليون :
وهل تنتظرين منه خيانة جديدة بعد خياناته العديدة؟ يحب أسيرة ويحبها أمام عينيك ... وكل ذلك لا يجعله بغيضا لديك؟ وماذا يمكن له بعد ما أجراه وكرر؟ فإنه لو استطاع أن يجعلك تبغضه لما تأخر.
هرميون :
لماذا تريدين تنبيه همي
فإني أرفض علمي بعلمي
فقولي فديتك إني سلو
ت وصوبت نحو الإصابة سهمي
ترومين أني أسير قرارا
هلمي بنا للمسير هلمي
نسير ويبقى أسير الأسي
رة بين يديها وأترك قسمي
ولكن إذا عاد عن غدره
وعامل بالحلم من بعد ظلم
وصار الحبيب وفيا بعهدي
سميعا لقولي مطيعا لحكمي ...
ولكن أراه خئونا فأبقى
عذولة حب وسيلة غم
أقابل بالغدر غدرا أتاه
واستل للفتك صارم عزمي
جنيت على الابن ويلا ومنه
سأجني على الأم أوفر سهم
كليون :
سيدتي إنها لم تجن ذنبا يستحق العقاب، فإنها أليفة غم ومصاب، وهل تظنين أن عيونا لا تنفتح للبكاء تروم مناظرتك في الغرام؟ وأن قلبا حزينا يميل إلى من سبب له الآلام؟ وهل رأيت أن حبه أذهب عنها الأكدار والشجون؟ وإن كان ذلك فلماذا ترفض محبا تسر به الخواطر وتقر العيون؟
هرميون :
ومن عجب الأيام حالة عاشق
تحيرت الأفكار في أمر حبه
يقرب من لا ترتضي غير بعده
ويبعد من لا تبتغي غير قربه
وكيف لا يذيبني غمي ووجدي، بعد أن كنت أظنه لي وحدي، وكنت أرى كل شيء يهنئني به قومي بعد إدراكهم الثار؟ اليونان بعد أن نفوا العار بالانتصار، مراكبنا وهي مشحونة بالغنائم، المجد والسرور والسعد الملازم، شهرة أبيه التي نسخت بشهرته نيران شوقه ودلائل محبته، قلبي ... وأنت أنت أيضا فقد كنت مندهشة من مجده الكامل، وقد خدعتني قبل أن تخدعني هذه الدلائل. أما الآن فلم يبق سبيل إلى الاحتمال، هرميون ذات أنفة وأورست ذو فضائل وأفضال، فهو على الأقل يعرف أن يحب وإن لم يكن مطلوبا، وربما عرف أن يجري واسطة ليكون محبوبا، فليأت لذي واسطة تزيل هذه الأكدار عنا.
كليون :
سيدتي ها هو.
هرميون :
لم أكن عالمة باقترابه منا.
الجزء الثاني
هرميون - كليون - أورست
هرميون :
أهلا بمن مسه في حبه السقم
شوقا وما مسه هجر ولا سأم
ماذا دعاك إلينا بعد فرقتنا
الشوق أم رحمة في طيها نعم
أورست :
هذا انقيادي لحب حل في كبدي
فجئت أبديه عل الهجر ينصرم
وأن أعاهد نفسي بالبقاء على
عهدي لمن غدروا ظلما وما رحموا
قربتهم نفروا واصلتهم هجروا
أمنتهم غدروا خاطبتهم سئموا
صبرا عليهم لا عنهم ولو سفكوا
دمي وطوعا لما راموا ولو ظلموا
هم أرضعوني ثدي الحب من صغر
فلست عن حبهم بالصبر أنفطم
يا من دعاني إليك الحب لا تسلي
عن حال قلب به النيران تضطرم
مذ سرت عني تركت الدار ناعية
وخضت بحرا به الأمواج تلتطم
وكم فريت الفلا والليل معتكر
والغيث يبكي وثغر البرق يبتسم
طلبت موتا وكان العمر يطلبني
فازددت حزنا وأضنى قلبي الألم
بين البرابرة القوم الألى رغبوا
في قتلتي وأنا بالصبر معتصم
قوم من السيت أهنى صيدهم رجل
حي وأعذب شيء يشربون دم
نجوت منهم وجئت اليوم مبتغيا
موتا من اللحظ فهو المالك الحكم
قضى الزمان بأن أنجو بلا طلب
وقد سقطت على عمد ولا أجم
كنت الذبيحة للمعبود عندهم
بئس الذبيحة إذ مذبوحها عدم
وما نجاتي إلا كي أقدم في
هياكل الحب حيث المجد ينتظم
فجردوا سيف لحظ كي يريق دمي
يا ظالمين وفي الأحشاء حبكم
هرميون :
سيدي، خل عنك هذا الكلام، فإنه مما يضيق دونه المقام، وافتكر في الملوك الذين بعثوك سفيرا إلى هذا المقام، ودع ذكر أعمال السيت البرابرة ومفاعيل الغرام.
أورست :
قد أظهر لي بيروس النفار المحض، ورفض طلبي كل الرفض، وأذن لي بالرحيل. والظاهر أن قوة لا يستطيع ردها تحمله على حفظ ذلك الغلام.
هرميون :
يا للخيانة!
وهكذا تهيأ لنا تركه ولا عتب علينا ولا ملام، وقد أتيت لأستطلع أفكارك فأعرف كيف أتصرف، وأخاف أن أسمعك تنكرين محبا بحبك يتعرف.
هرميون :
لا تزال تسيء ظنك بي مع أنك تعلم بأني لم آت أبيرة إلا بإذن أبي، وأقسم إني كنت أذكرك في خلواتي، وأتمنى أن أراك ولو خالفت واجباتي.
أورست :
تتمنين أن تري أورست، تأملي وأمعني النظر ... إنك تخاطبين أورست المهجور المحتقر.
هرميون :
نعم أنت، أنت الذي نشأ حبه مع حسنه يعلمه بادئ بدء كيف يكون الظفر، أنت الذي كانت تحملني فضائلك على حبك واحترامك، وقد جعلتني من الميل إليك على شفاء خطر.
أورست :
نعم نعم ... أسمع هذا الكلام، القلب لبيروس، والذكر لمن أتلفه الغرام.
هرميون :
آه ... (تقول هذا بدلال وغنج وخيلاء وإلخ)
لا تذكر بيروس فأنا أكره من يذكره.
أورست :
بل تكرهين من ينكره، أو من لا يشكره، يا للعجب كيف تنظرين إلي نظر الموارب؟ تريدين أن تحيي أورست ولا ترين ما يستحق الحب فيه، ويبدو لك الحب بلا سلاح وربما عصيته وأنت تريدين أن تطيعيه، وأقسم إنك تدافعين عن بيروس وربما كان ذلك بالرغم منك، وهو غير راض بذلك؛ لأن قلبه المائل عنك، لا ...
هرميون :
من قال لك هذا، وهل رأيت بي ما يدل عليه؟ فإن كان لا يميل إلي فإني لا أميل إليه فحتام تحتقرني؟
أورست :
أنا أستحق هذا الملام، ويليق بي هذا الكلام، أنا أحتقرك وعيني لا تنظر إليك نظرة وداد، ولو نظر بيروس إليك بعيني لنلت المراد.
هرميون :
سيدي سواء عندي إن أقبل أو هجر وإن وفى أو غدر، فاذهب واحمل عليه بجيوش اليونان، وجازه على ما أبدى من العصيان.
أورست :
سيدتي، هلم بنا قبل ذلك نذهب إلى حيث يكون لك في كل قلب مطلب، تعالي واحكمي بالقلوب، ولنتحد لننال المطلوب.
هرميون :
ولكن إذا اقترن بأندروماك؟
أورست :
كيف العمل ...؟ هذه مصيبة.
هرميون :
ألا يلحق بنا العار إذا اقترن بغريبة؟
أورست :
إن أنكر الصب الهوى فدموعه
في وجنتيه تخط عنه سطورا
لا تستري وجه الغرام ببرقع
إن الزجاجة ليس تخفي نورا
هرميون :
حتام تستنتج من بغضي الوداد وتخالف من كلامي المراد؟ رح وقل لبيروس: إن عدو اليونان لا يكون صهرهم، فإما أن يسلمك هرميون أو الغلام، فليختر من الأمرين ما رام. (ثم تنشد على قد «يا من أسرني بالجمال».)
أو أن يسلمك الغلام
حالا كما صار الكلام
أو أنني أمضي فلا
أرضى البقا في ذا المقام
لم أرض بعد العز في
ذلي ولا أخشى الملام
فاذهب وباشر ما عسى
يفضي إلى نيل المرام (وتذهب)
الجزء الثالث
أورست
أورست :
ليس بدعا إذا غدوت مجيبا
عن سؤال عنه السؤال جواب
تم ما رمت والزمان وفى لي
وقد انجاب عن نهاري الضباب
كلمة واحدة تكفيني ... بيروس يجيب بالإيجاب، وهذا بلا ارتياب، يا للسرور أي حظ وأي انتصار مبين، فليحفظ بيروس تروادة، وهكتور، وأرملته، وابنه، ومن شاء من الترواديين، حسبنا هرميون عادت إلينا فلا تنظر بعد ساحلك يا أبيرة ولا تشتق إليه، فلنتكلم ونطلب أيتها المحبة ظللي عينيه.
الجزء الرابع
أورست - بيروس - فنكس - حاجبان (يحرسان بيروس)
بيروس :
سيدي، كنت أطلبك لأخبرك أن الغضب جعلني أرفض ما جئت لأجله من الطلب، وإني بعد انفصالنا فكرت فيما قلت من الكلام الجدير بالملام، وعلمت أني برفضي طلبك أقاوم اليونان وأبي، وأناقض ذاتي لا محال، وأحيي تروادة بعد موتها أو أعزها بعد الإذلال، وأجعل ما صنعته وصنعه أبي ناقصا مع المقدرة على التمام، وإني لذلك أعتذر إليك وعما قليل أسلمك الغلام.
أورست :
الآن هديت إلى الصواب، ووفرت عنك وعنا معاناة الأتعاب، ومنعت حربا تقضي على الأرواح بالذهاب، وعلى الأموال بالنهاب.
أورست :
ويلاه لقد فسد التدبير، وساء المصير.
بيروس :
وإني قد عزمت على أن أزيد الرضا توطيدا، والصلح تأكيدا، بل أقترن بهرميون، وأنت هنا تشاركنا في المسرة والهنا، والظاهر أن اقتراني بها كان يترقب مجيئك لتكون من الشهود، على تجديد العهود، فأنت تنوب عن أبيها، وعن سائر رءوس اليونان. فسر إليها وأخبرها بما كان.
أورست :
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن (ويذهب)
الجزء الخامس
بيروس - فنكس - الحاجبان
بيروس :
كيف رأيت ... ألا تزال تزعم أني يغلبني الغرام؟ لا، لا. اعلم إني لا أغلب، وأني ابن أشيل الهمام.
فنكس :
الآن أنت كما ترضى العلا رجل
يلقى الصروف بقلب ما به وجل
أصبت نصرا على نصر وخيرهما
نصر غريمك فيه الأعين الفجل
بيروس :
أجل هذا أول انتصاراتي، وغزوة الحب أكبر غزواتي، فقد حاربته ورجعت منتصرا ظافرا، وعاد منغلبا خاسرا، لقد لاح هلال سعدي وهذا بداءة مجدي. تأمل يا فنكس إن نظرة كانت كافية لتورثني ألف حسرة، وتبليني بعذاب واضطراب، ومقاومة أهل وأصحاب، وإهمال واجبات وارتكاب سيئات.
فنكس :
ولجفائها يد في هذه القضية، فهو الذي أنقذك من هذه البلية.
بيروس :
أصبت لقد تجاوزت الحدود بالصدود، وقابلتني بما لا يحتمل من التجني والملل، ومما زداني غيظا أنها حين أمرتها بوداع ابنها ذهبت، وأهاجت بالبكاء نار حزنها، فرأيتها وهي تسكب الدمع وتذريه معانقة ولدها، وقد كررت مائة مرة ذكر أبيه، والتفتت إلي وهي تقول هذا هكتور الفريد ... هذا بعلي المجيد، عيناه تشبه عينيه، وكل ما فيه يدل عليه. ثم عادت إليه فعانقته قائلة أنت بعلي، وأنت ولدي، وأنت قصدي، وأنت عضدي، فأيقنت أنها تروم أن أحمي ابنها لتشفي به نفسها من الآلام، وتشفي نفسي وتضرم فيها نار الغرام.
فنكس :
هذه عقبى هوى الغيد، مذلل الصناديد، وجاعل الملوك كالعبيد، والباسل كالرعديد.
بيروس :
زعمت بأني لا أحول عن الوفا
صدقت فإني عنه لست أحول
لكن هجرت نعم هجرت فخلها
تبكي وتندب حظها وتقول
وأمر ما لاقيت في أسر البلا
قرب الخلاص وما إليه سبيل
كالعيس أقتل ما يكون لها الصدى
والماء فوق ظهورها محمول
فنكس :
لقد تم لنا ما نتمنى، ونفي العنا عنا، فسر بنا مولاي إلى هرميون، وأبلغ من الاقتران بها مناك.
بيروس :
وهلا يسوء ذلك أندروماك؟
فنكس :
إنا لله وإنا إليه راجعون! لا تزال مشغلا بذكرها ومهتما بأمرها، وماذا عليك بعد هجرها من غضبها أو رضاها، ومن إقبالها أو جفاها؟
بيروس :
لله يا فنكس إن قلبي لا يزال ... لا أعلم ماذا حل به فهو يطلب الرجوع عن هذه الحال.
فنكس :
أجزل الله عليك النعم
أيها المولى الهمام
لا تقل لا بعد قول نعم
ليس ذا شأن الكرام
بيروس :
لا تخف يا صاح عود العنا
بعد ما حاذرته
إن قلبي وهو قلبي أنا
لو جفا غادرته (ينشدان ذلك على قد «شمس خدر تتجلى فوق بان».)
كيف أعود إليها وقد هجرتني، وهي أسيرة ذليلة حقيرة، وإني لو خانني طرفي لقلعته، ولو جفاني قلبي ما صحبته، فأنا أسلم ابنها إلى اليونان، وأعاملها بعد المودة بالعدوان. (ثم ينشد فنكس مع جوقة الملك على قد «العيون النرجسية»):
في سما الأنس لدينا
قمر الإصلاح لاح
وبما أهدى إلينا
طائر الإفصاح صاح
قد نأى وجه العناء
ودجى الأتراح راح
فسكرنا بالهناء
إنما الأفراح راح •••
طاب الهناء لنا وقد نلنا المنى
وبدا هلال سرورنا
والغم عنا قد نأى ودنا الهنا
بدنو أنس نصيرنا (على لحن «تلك المنازل والقصور العالية».) (نشيد)
نالت مزيد الهناء أنفسنا
من بعد ما كاد يقطع الأمل
فدمت يا بدر يا غمامة يا
عالي الذرى يا همام يا بطل
يا شهم يا سهم يا مهند يا
ليث الشرى يا همام يا رجل (الأكرك)
قد بدا لنا
بعد الظلام
ونأى العنا
يا ابن الكرام
فدم ما انجلى
بدر التمام
يا من علا على العلى بين الملا
وأسلم ما حلا حسن الختام
الفصل الثالث
الجزء الأول
أورست - بيلاد
بيلاد :
كفاك حزنا وغما
مولاي فالحزن يضني
قد ذبت فيه سقاما
وكاد يخفيك عني
كفى ... ...
أورست : ... أبيلاد دعني
فالذنب منك ومني
تبعت رأيك لكن
لشقوتي لم يفدني
سئمت عيشي ودهري
كل المصائب يجني
ولا أزال حزينا
حتى أنال التمني
ومنيتي ذات حسن
مذ كلمتني سبتني
فاعلم صديقي أني
إن لم أنلها فاني
بيلاد :
أحسنت ... نأخذها. كيف كانت الطريقة التي نتخذها، ولكن هل تبصرت فيما تقول؟ ألم تر مانعا دون ذلك يحول؟ تأمل ومر عيونك واكتم سرك، واخف عن هرميوس أمرك، ولا تخدعك الظواهر فقد تخالفها السرائر، انظر إلى هذا القصر وما حوله من العساكر، هؤلاء الحرس وما دون مقاومتهم من المخاطر، كلهم لبيروس وهرميون له أيضا لا محال، فكيف تخطر لك هذه الأفكار في مثل هذه الأحوال.
أورست :
إن زمامي ليس بيدي وقد فقدت الرشد من شدة الوجد، حتى كدت أهجم عليه وعلى من تهواه بلا مبالاة.
بيلاد :
وهل تكون نتيجة هذا العمل غير الفشل؟
أورست :
ولكن أي نفس تلقى ما لقيت، وتشقى كما شقيت، ولا تخطر لها هذه الأفكار؟ ولو كان دون نفوذها أخطار، فقد طالما صبرت للصبر وعانيت جزيل عنائه، وكيف أصبر وفي الغد يقترن بيروس بهرميون وأقدمها إليه بيدي وليتها تلطخ بدمائه.
بيلاد :
ولماذا ... وهل تحسبه راضيا بهذا الاقتران؟
أورست :
لا لعمري ... إنه لا يقترن بها إلا ليسلبني إياها، ويضرم في قلبي النيران، وا أسفي لقد أصبت بالفشل، بعد أن كدت أبلغ الأمل.
بيلاد :
إن هذا لمن الزعم، أو بالأولى من الوهم، فإنها تحب بيروس ولو غدر، وتروم قربه ولو هجر، وإن أغريتها بتركه فكلمة واحدة عن عزمها تثنيها.
أورست :
ولذلك أريد أن أسبيها.
كيف أرضى بأن أسير وتبقى
بسرور واف وقلبي يشقى
ضعضعت همتي مصائب تترى
وأتاني البلاء غربا وشرقا
كم أراعي وقتا وأكظم غيظا
ومصابا وكم من الحب ألقى
لا تلمني إذا رأيت اضطرابي
يا أخي، أنا الذي مت حقا
مت حقا لكنما بعد موتي
من به مت لا يعيش ويبقى
سوف يلقى بيروس مني فتى لا
يرهب الموت أي نعم سوف يلقى
بيلاد :
نعم الآراء، وما تكون نتيجة سفارتك لقب سفاك دم؟ (يقول ذلك سائلا مستفهما.)
أورست :
لا أعلم ... ولكن ألا تحتقرني هذه الظالمة إن عدت بالخيبة من هذه الديار؟ فخير لي أن يتعجب اليونان من فعلي من أن أكون أضحوكة في أبيرة وألبس العار، إني أرى الحق في يدي فأي شرع يحكم علي بالجلد ولا يتجاوز في حكمه الحد. أما أنت فقد تحملت في المودة تعبا، ولقيت نصيبا فدعني، وكلني إلى تدبير الأقدار، اذهب وخلني ما بين الأخطار، وخذ إلى اليونان الغلام الذي أسلمه بيروس إلينا ... اذهب.
بيلاد :
فلنذهب سيدي، ونجر ما ترغب فلا تغضب، إني أرافقك في الأخطار حتى تنال الأوطار ... فسر بنا إلى أصحابك اليونان ننشط ونحسن التدبير، فمراكبنا مجهزة والريح تنادي بنا: طاب المسير.
أورست :
إني شاكر لك أيها الصديق، فأنت خير من يرجى في الضيق، وأرجو أن تعفو عن تعيس زاد يأسه، وفقد كل ما يحبه فكرهته نفسه.
بيلاد :
أفديك مولاي فخفف عنك الآلام، وتناس خيانة هرميون ... ها هي قادمة إلى هذا المقام.
أورست :
سر أنت للتدبير وعلى الآلهة التيسير.
الجزء الثاني
أورست - هرميون - كليون
أورست :
إن مسعاي قد أنالك فوزا
وسعودا لا زلت بالإسعاد
عاد بيروس طالبا منك قربا
فتهني بالقرب بعد البعاد
هرميون :
بلغني ذلك وقيل لي إنك تطلبني لتخبرني بالخبر.
أورست :
أراه خيرا يزيل عنك الكدر.
هرميون :
لا يجلب الفرح، ولكنه لا يجلب الترح.
أورست :
لك الهناء ... تهني، وأنا أقوم بالدعاء.
هرميون :
ولا أنكر أنه ربما فضل مصلحة على محبته، وإن لعيوني سلطة على مهجتك ليست على مهجته.
أورست :
لا يا سيدتي فهو يحبك، ولولا ذلك لما طاب له قربك ولحظك، الغزال لا يحوك إلا ما يرضيه.
هرميون :
وسيدي إن الشرف يأمرني بذلك فلا أقدر أن أعصيه.
أورست :
أصبت فلا سوى حظي يلام
ولا عتب عليك ولا ملام
وإني لا ألومك غير أني
أذوب أسى كما شاء الغرام
شكا قلبي عذابا يلتقيه
فقلت اصبر كما صبر الكرام
فقال وقد أصيب بسهم غدر
على الدنيا وبهجتها السلام
هرميون :
أسمعت هذه الشكوى التي تحزن الفؤاد؟
كليون :
هو الملوم فإنه لولا تهاونه لنال المراد، ولما كان بيروس أجابه إلى ما طلب، مخافة أن يبلى بالعطب.
هرميون :
بيروس لا يخاف فقد سارت بشجاعته الأمثال، وما له فيها مثال، فكأنك لا ترين بي ما يستحق الميل، حتى حملت ميله إلي على خوفه من الويل.
كليون :
لا، ولكن لكل قلب جاذب، وللناس فيما يعشقون مذاهب، إن أندروماك آتية وهي باكية.
هرميون :
لا أقدر أن أمنع نفسي من الطرب، ولكن ماذا أقول لها؟ أحسن ما أراه الهرب.
الجزء الثالث
أندروماك - هرميون - كليون - سفنز (أندروماك تدخل وهرميون تكون على عزم الخروج.)
أندروماك :
مهلا فإني في حماك ومالي
من ذلة كي تقطعي آمالي
وفقدت بعلي في القتال ومالي
والدهر لي كأس المذلة مالي
لله من ذل العزيز الغالي
أبكي على والدي ودمعي جاري
كالغيث لكن ليس يطفئ ناري
سلبوا بما طلبوا يسير قراري
لا تسلبوه فإن حفظ الجار
فرض على أهل المقام العالي
قد صنت أمك يوم راموها بشر
ومنعتها من أن يدانيها بشر
فاحمي فتى ألف الكآبة والكدر
حيران ما بين السلامة والخطر
حتى غدا سقما خيال خيال
هرميون :
إن حزنك يحزنني، ولكن واجباتي تمنعني من تتميم هذا الطلب، أما بيروس، فلا أعز منك لديه، وقد تسلطت لحاظك مدة عليه، فدعيها تكلمه وتتقدم في ذلك إليه (وتذهب) .
الجزء الرابع
أندروماك - سفنز
أندروماك :
بقلبي من أذى دهري لهيب
لدمعي فوقه أي انسكاب
فلا تطفي الدموع لهيب حزني
وغير القبر لا يطفي التهابي
كزيت معدني ليس يطفى
بماء وهو يطفأ بالتراب (ثم ينشد على لحن «يا بدر جنح الغياهب»):
أنوح نوح الثواكل
والدمع جار وسايل
والقلب راج وسايل
وما لصبري وسايل
في مثل هذه المسائل (ويلي ذلك):
إن قهري حان واصطباري خان
خيبت أملي هذه الأحوال
من لنا بالهنا والعنا قد دنا
غير محتمل حمل ذي الأهوال
فنكس :
سيدتي، دعي الغم فنظرة واحدة منك تكفي، فتنتفي عنك الأحزان، وتقلق هرميون وكل اليونان.
أندروماك :
أي نعم، لا بد من هذا الأمر، فأنا أجاريه، وإن كنت أفضل على ذلك مجاورة القبر.
سأجاريه وللدهر احتكام
وفؤادي فيه من حزني ضرام
مقصدي برر لي واسطتي
هكذا قال لنا بعض الأنام
فنكس :
سيدتي، إنه آت ها هو قد دنا.
الجزء الخامس
بيروس - فنكس - سفنز - أندروماك
بيروس :
أين الملكة ألم تقل لي إنها هنا؟ (معرضا عن أندروماك.)
أندروماك :
أرأيت سطوة لحاظي؟
بيروس :
ماذا تقول؟
أندروماك (بذاتها) :
تركت بلا معين ولا مجير.
فنكس :
هلم بنا نتبع هرميون.
سفنز :
ما هذا الانتظار إنه يسير.
أندروماك :
إنه وعد بتسليم ابني.
سفنز :
ولكنه لم يسلمه بعد.
أندروماك :
قد وعد بذلك، ولا يخلف الوعد.
بيروس (بذاته) :
يا للعجب، إنها لا تزال تتجنى وتتجنب.
أندروماك :
وا مصيبتاه إني أزيده غضبا فلنذهب.
بيروس :
فلنمض من هذا المكان، ونسلم ابن هكتور لليونان.
أندروماك :
لله مولاي، مهلا
فأنت أعظم حلما
إن رمتم تسليم ابني
سلم مع الابن أما
مولاي، كنت حليما
لم تأت من قبل ظلما
عذبت قلبي شديدا
كأنني جئت جرما
فاسمح فأنت كريم
أبا وخالا وعما
أمولاي رفقا فالدموع سوافح
وكاسات حزني بالمصاب طوافح
فسامح إذا ما كنت ذات جريمة
فأنت كريم والكريم يسامح (ثم تقول على قد «يا من حوى الخد الأسيل»):
وارحم فقد أضنى الأل
م جسمي وأضواه العذاب
والحزن عندي قد ألم
بمهجتي والقلب ذاب
بيروس :
قد وعدت به.
أندروماك :
ألست الذي كان يدعي حبي؟
بيروس :
كنت أعمى فصرت بصيرا، فعصيت قلبي.
أندروماك :
إن أندروماك تجثو لديك وأبى الله أن تجثو لدى غيرك من العالمين.
بيروس :
لا تداهني من تبغضين.
سر بنا يا وزير (يقول ذلك بغضب ومعرضا عنها.)
أندروماك :
وأنا أسير لألحق ببعلي فهو خير مجير ... (وتهم للذهاب).
سفنز :
سيدتي ...
أندروماك :
وماذا أفعل؟
مولاي رفقا بقلبي
وأشفق على سوء حالي
فأنت تعلم أني
فقدت أهلي ومالي
رأيت بعلي قتيلا
يجر فوق الرمال
ووالدي الشهم أيضا
قضى بذاك القتال
لم يبق لي غير طفل
من أسرتي ورجالي
مولاي، قد ذاب قلبي
مولاي، رفقا بحالي
بيروس :
اذهب يا فنكس، وأنا أتبعك بعد حين. (ويذهب فنكس)
الجزء السادس
بيروس - أندروماك - سفنز
بيروس :
سيدتي، أين من عليه تبكين؟ أنا أعلم أني كلما زدت تقربا زدت تجنبا، وقد كنت أحسب بغضي أعظم مما أرى، ولكن جرى حكم الغرام بما جرى، انظري إلي أترين في عيني حاكم ظالم؟ ألا ترين فيهما حنوا ثابتا بانعطاف ملازم؟ وإني أسألك بابنك الذي تحبينه، أن تخففي بغضك وترفعيه، وأرجوك أن تحفظي ابنك وتنقذيه. وهل يقتضي ذلك أن أنطرح بين يديك، أو أجثو على قدميك، وبالنتيجة أنقذيه سيدتي، وأنقذي ذاتك، واحفظي بحفظه حياتي وحياتك، واعلمي أني ألاقي دون ذلك أهوالا ومهالك، ولكني أحبك فأنا أترك هرميون إن رضيت بي، وأقدم لك قلبي، وألبسك من المجد إكليلا. وأرى كل ذلك بالنظر إلى ما تستحقين قليلا، ويجب أن أملك مستبدا، فإن العاجز من لا يستبد، وإني في طلب ذلك مجد ... ولا أخاف وعدا أو وعيدا، فأنا أموت إن خسرتك، على أني أموت أيضا إن زدت صدودا، فاعلمي أني سأذهب بك إلى الهيكل، فإما أن تقبلي فهي إكليل القران وإما أن أسلم ابنك إلى اليونان. (ويذهب)
الجزء السابع
أندروماك - سفنز
أندروماك (بذاتها) :
أحرق الدهر بنار كبدي
عندما راموا بشر ولدي
أنت يا هكتور عزي عضدي
سيدي ركني مجيري سندي •••
أقصروا اللوم وكفوا العذلا
لست أرضى من حبيبي بدلا
لا وحق الحب يا هكتور لا
ما قيادي يا مليكي في يدي (تنشد ذلك على لحن «يا غزالي كيف عني أبعدوك؟»)
سفنز :
فلنذهب إذا ويسلم ابنك إلى اليونان.
أندروماك :
ويلاه يموت ابني، ابني خليفة هكتور، بقية أبطال الزمان ... سفنز دعيني أبك عليه، أو هلم نذهب إلى بيروس ... لا لا اذهبي أنت إليه.
سفنز :
وماذا أقول له؟
أندروماك :
قولي له: إن حبها لابنها شديد ... وهل تظنين أن ما قاله عن عزمه على قتل ابني أكيد؟
سفنز :
سيدتي، سيأتي الآن.
أندروماك :
اذهبي.
سفنز :
وماذا أقول؟ هل أعده عنك بالقبول؟
أندروماك (لذاتها) (تقول على نغم «ومن عجبي أن الصوارم والقنا») :
أيا دهر كم بالصابرين تجور
وما من نصير في بلاك يجير
فسد واحتكم واظلم وعذب كما تشا
فإن فؤادي يا زمان صبور
سفنز (من النغم ذاته) :
مهيلا سنقضي الأمر آلهة الورى
وليس عليهم في الأمور عسير
أندروماك (لذاتها) :
لقد ذاب يا هكتور قلبي ومهجتي
بهما من زماني لوعة وسعير (ثم تقول أندروماك مع سفنز): (الأكرك)
أما كفى ما قد جرى
فالسقم بالجسم سرى
قد فاز من قد صبرا
فالصبر أولى ما أرى
والدهر يبدي العبرا
كما يروم •••
لقد جنى دهري العنا
وحل بالجسم الفنا
وقد نأى عنا الهنا
والغم وافى ودنا
فارفق بنا يا ربنا
أنت الرحيم
الفصل الرابع
الجزء الأول
أندروماك - سفنز
سفنز :
قلبي اشتفى وبدا هلال هنائه
فأضاء في ظلمات ليل عنائه
أنقذت طفلا سوف يحيي ذكر من
سلفوا ونالوا المجد من آبائه
أندروماك :
أنقذته ... ويلاه ... عز تصبري
كيف السبيل إلى حفاظ بقائه
هيا بنا نلقاه آخر مرة
ونذوق خطب البعد بعد لقائه
سفنز :
ويلاه ما ... ... ...
أندروماك : ... لا تعجبي إن كان لا
يفدي فؤادي شخصه بوفائه
هكتور، لا تجزع فلست أخون من
أنفقت عمري في سبيل ولائه
هكتور، يا خير الورى هكتور يا
ليث الشرى والمقتدى بعلائه
هكتور، أنت رجاء قلبي لا سوا
ك فكيف يهنأ بعد فقد رجائه
لبيك إني مثلما شاء القضا
أقضي وما من دافع لقضائه
هذي يدي تقضي لبانة مهجتي
بمشقق يفري الحشا بمضائه
سفنز :
مولاتي، بالله ما هذا الكلام؟
أندروماك :
أواه يا سميرتي ... لا بد لي من شرب كأس الحمام، وأترك ابني متكلة عليك، وقد عهدت بتربيته وإصلاح حاله إليك.
سفنز :
لا تزيدي غصتي فأنا أتبعك واجعلي من حصتي أن أوافي معك (على نغم أشرقت شمس الكمال.)
أندروماك :
إن كنت تحبينني فابقي للاعتناء بابني، ألا تعلمين أنه خلاصة السعادة، وأنه بقية هكتور بطل تروادة؟ فأنت تتولين أمره، وتسيرين به على سنن أجداده الكرام، واسألي بيروس أن يحافظ عليه كي لا يضام، وإني أقبل أيضا أن تسأليه في ذلك عني، وأخبري ولدي في كل يوم أنه من دم هكتور الجليل، الذي أجود بروحي ولا أرضى منه بديل.
سفنز :
لله ما هذا المقام
قد عز مني الاحتمال
أندروماك :
من يرحم الفؤادا
بين الورى
سفنز :
أما كفى وزادا
ما قد جرى (نغمة تركي «بردل كوزل يا ندم سني».)
اصمتي، إني أسمع حركة من هذه الناحية ... فلنذهب. هذه هرميون آتية (وتذهبان).
الجزء الثاني
هرميون - كليون
كليون :
لا أقدر أن أسكت عن تهاونك فالأمر مضى، وهو سيقترن بأندروماك ويتركك تتقلبين على جمر الغضا.
هرميون :
ائتيني بأورست لنتذاكر فيما يشفيني ويشفيه.
كليون :
ها هو آت، فكأنه علم بما نحن فيه!
الجزء الثالث
هرميون - كليون - أورست
أورست :
بلغني أنك تسألين عني، فأقبلت ولو استطعت لسعيت على العين والرأس.
هرميون :
طلبتك لأعلم إن كنت تحبني فأزل عني الالتباس.
أورست :
تسائلني إن كنت صبا بحبها
يجيبك دمعي وهو منك صبيب
سلي حسرتي أو لوعتي أو تذللي
فلي شاهد مما ترين يجيب
هرميون :
انتقم لي، فاصدق بما تقول.
أورست :
لبيك يا سيدتي، فأنا عن القيام بأمرك لا أحول، فهلم نضرم النار ثانية في اليونان، فأنت مكان هلين، وأنا في مكان أغاممنون ملك ملوك الزمان، ولنجلب البلاء على هذه الديار، ونجعل أخبارنا تتناقلها الأجيال في الأعصار.
هرميون :
لا لا فلنبق فإني لا أرضى بهذا الكلام، كيف أرى الإهانة هنا وأسير إلى اليونان منتظرة هنالك الانتقام، ولعمري فإني أريد أن أبكي كل من في أبيرة قبل أن أسافر، فاذهب إلى الهيكل، ولطخ سيفك بدم هذا الغادر.
أورست :
دم من؟
هرميون :
بيروس.
أورست :
بيروس سيدتي؟
هرميون :
نعم نعم، فهو غادر، ولا يحسن الصبر على أهل الغدر.
أورست :
سيدتي، أرى أن الغيظ قد أخذ منك كل مأخذ؛ حتى ستر عنك الحقيقة، ننتقم؟ مناسب ... ولكن بغير هذه الطريقة، وأكون عدو بيروس ولا أكون قاتله، فهو فعل لا يحسن أن أكون فاعله. والأولى أن نثير عليه حربا عادلة تهلك أنصاره، وتخرب أمصاره، فهل تؤثرين أن أعود إلى اليونان برأسه بلا سبب، وماذا تكون نتيجة سفارتي؟ فاعدلي إذا عن الغضب، وافتكري أنه ملك جليل، وأن رأسه ذو إكليل.
هرميون :
ألا تكتفي بحكمي عليه، وألا ترضى باحتقاري ذنبا يستوجب القتل؟ فاقتله فإنه يحسن في عيني هذا الفعل. واعلم أني كنت أحبه ولا أفضل عليه أحدا، وإن احتقرني اليوم فيمكن أن أحبه غدا، والظاهر أنك خلي البال لا تبالي بهذا الحال.
أورست :
تقول خلي البال عني وما رأت
حوافي فؤاد حشوهن عذاب
سقام ووجد واحتراق وإنها
صنوف عذاب في الغرام عذاب
فانتقم لي إن كنت صادقا.
هرميون :
سيدتي، مناسب يجب قتله، ولكن ما العمل وما التدبير؟ أتريدين أن يدا واحدة تقاوم مملكة أبير؟ وأي سبيل إلى ذلك. تأمرين بقتل ملك، ولا تفسحين لي بفرصة يقتضيها خطر العمل؟ أتريدين أن أقتله بين شعبه حيث ليس بالنجاة أمل، وأدنس الهيكل بهذا العمل؟ فأناشدك الآلهة أن تتأني فإني في مساء هذا اليوم أهيئ لقتله أمضى الأسباب، وفي هذا الليل طوعا لأمرك أقتله.
ولكنه سيقترن بأندروماك في هذا النهار، وماذا يعوقك عنه فهو يقدم لك رأسه لتضربه وهو بلا حرس.
أورست :
خلدت يا حب ذكر الهم في خلدي
وكابدت منك أنواع العنا كبدي
فمات صبري وهب الدمع يندبه
حتى بكاه بكا أم على ولد
ما زلت تطلب صبري غير متئد
حتى تسلمته مني يدا بيد
فليت شمسك لم تشرق على وطني
وليت بدرك لم يطلع على بلدي
لكل صاب على علاته أمد
إلا أذاك فلا يجري إلى أمد
يا من أصيبت بسهم الهم مهجته
اصبر فما في الورى خال من النكد
واستوقف الدمع إن نالتك نازلة
فإن دهري لا يبقي على أحد
هرميون :
ويلاه قد أطلت الجدال فحق لي الملل، وأراك تريد أن تشكو أبدا ولا تجري شيئا ... فلا تعتب إذا لم تنل شيئا.
أورست :
لله ما يفعل الغرام
فلا اعتذار ولا ملام
صبرا على كل ما قضاه
للحب يا مهجتي احتكام
طوعا لما رمت من محب
فإنك القصد والمرام
فسوف يلقى بيروس مني
فتى لديه طاب الحمام
واليوم تبدو سوق المنايا
وبيننا ينصف الحسام
إن لم أمت في الوغى قتيلا
لا ندبت فقدي الكرام
تفديك روحي وأنت روحي
إلي مني فلا ألام
هرميون :
رح ولتكن السفن مهيأة لركوبنا في الحال (يذهب).
الجزء الرابع
هرميون - كليون
كليون :
سيدتي، أضعت رشدك في هذه الأعمال.
هرميون :
نعم، لا بد من الانتقام، فليمت لأشتفي من حزني، واذهبي يا كليون، وأخبري أورست أن يقول له عند قتله: إنه يقتله عني.
كليون :
سيدتي، أرى الملك مقبلا.
هرميون :
سارعي إذا وقولي لأورست أن لا يجري شيئا قبل أن يقابلني .
الجزء الخامس
بيروس - فنكس - هرميون
بيروس :
أراك الآن ولا ريب أنك ترينني باستغراب، وقد رغبت في مقابلتك لا بوعيد أو وعد كذاب، بل لأخبرك أن جرما ارتكبته بالرغم مني، يقودني إليك بنفس ذللها الوزر، وهي تطلب العذر. إني أحب تروادية وقد عزمت على الاقتران بها على معرفة ما بيننا من العهود التي لم تبرم على وجه شرعي، وقد تعذر علي أن أجعل هذه العهود تتغلب على ميل نفسي، وما كنت لولا ذلك لأنقض عهدي، وأخلف وعدي، فلك الآن أن تسميني خائنا، أو منخلع القلب إذا لم تؤثري الصفح عن قلب قيده الغرام، فأصبح لا يستطيع منه انفكاكا، وأصبحت لا أرى له في غير هواه حراكا، وإني لأخاف سكوتك أكثر مما أخاف كلامك.
هو الحب حتى ينفد العزم والصبر
وما الحب إلا الذل والهول والأسر
فلا منجد إن جار وهو محكم
ولا منقذ من حكمه وله الأمر
أذل فؤادي وهو في العز راتع
وأوهن عزمي بعد ما ناله النصر
ومن عجبي أني أخوض الوغى ولا
أبالي وقد غصت بها البيض والسمر
وأغشى الظبى والموت رهن مضائها
وأخشى الظبا حيا ومسكنها القفر
وها أنا في ذا الحب رهن احتكامه
وحيد وما قولي كذا ومعي الصبر
هرميون :
أين المروءة شيمة الأبطال
والصدق في الأقوال والأعمال
أين الوفا شأن الكريم وأين من
نادى أنا ابن مذلل الأقيال
من كان لا يلويه ليث رهبة
عن عهده يلويه لحظ غزال
بطل تحاذره الأسود إذا سطا
ويروعه ظبي بغير نزال
يا من أتاني بعد أن نقض الولا
قد هجت بلبالي ولست تبالي
أكثرت نفسك وهي صغرى بالهوى
ورضيت بعد العز بالإذلال
عار عليك عليك عار دايم
يبقى مدى الأعصار والأجيال
بيروس :
سيدتي، يجب أن تسدي الآلهة شكرا على ما سهلت لنا من سبيل الانفصال؛ لأنه يلوح لي أن قلبينا لم يخالفا ليكون بينهما اتصال، وقد كان علينا أن نطيل الاختبار قبل إبرام العهود، أما الآن فلا يصح أن ينسب إلى أحدنا خيانة أو إخلاف وعود، فإن الخيانة إنما تكون بنقض الوداد وهو أمانة. فإن لم يكن وداد فكيف تكون الخيانة؟ وأنت تعلمين أني لم أفعل ما يحملك على حبي، فربما كنت بذلك تكرهين قربي.
هرميون :
أتنكر حبي والمدامع تبديه
وينشره سقمي وصدك يطويه
أتيتك والآمال ملء خواطري
وقلبي يصفو والزمان يصافيه
فعاملتني بالغدر يا ساقط الوفا
وأورثتني سقما تراه ويرويه
وما زال قلبي وافيا وهو ذائب
متى أنت تشفيه وحتام تشقيه
على أنه إذا كان لا بد من إنفاذ مرامك فاسمح لي أن يتم ذلك بعد ذهابي، ولا تزد بمرأى خيانتك عذابي، وإني أعدك بسرعة المسير، فلا تجز من التأخر ... ما بالك لا تجيب؟ ... لا بأس فإنك مصيب، فأنت تحسب الدقائق التي تصرفها معي الآن تعوقك عن مشاهدة أندروماك، فرح واهنأ بقربها، وقدم لها قلبك في الهيكل، ولكن خف أيضا من أن تراني هناك (وتذهب).
الجزء السادس
بيروس - فنكس
فنكس :
مولاي، سمعت وعيدها فلا تأمن عاشقا، وقعت في اليأس وهي تطلب الانتقام، فإن اليونان الذين هنا يساعدونها وأورست لا يزال بها ذا غرام ... فافتكر فيما قلت وحاذر ...
بيروس :
إن أندروماك تنتظرني، فحافظ أنت على ابنها بالعساكر.
فنكس :
الأمر أصبح يا ناصر
في خطر يحذر من غدر
ذلك ما يخطر في خاطري
والأمر في ذلك للآمر (على لحن «لحظك يا بدر غدا ظالمي».) (بذاته، يقول على لحن «مشرق بالحسن بدري»):
قد غدا خوفي عظيما
أيها الملك الهمام
وأرى خطبا جسيما
قاضيا بالاهتمام
كن بما تبدي حكيما
نال ذو الرشد المرام
فهي قد زاد جواها
بمعاناة الغرام
وإذا زاد بلاها
رغبت في الانتقام
لا تقل عزمي وحزمي
وجنودي والمقام
وذكا عقلي وعلمي
وثباتي في الصدام
كم بعوض دون عزم
أسد منها يضام
فكري السامي سليم
فإذا ضل تلام
أيها المولى الكريم
أحسن الله الختام
الفصل الخامس
الجزء الأول
هرميون
هرميون :
أين رشدي ... ماذا جرى ... ما احتيالي؟
كيف أنجو من البلا والوبال؟
فغرام غريم قلب كليم
وظلوم بنكبتي لا يبالي
جار ظلما فحار قلبي وراح ال
سهم يشقيه وهو ناعم بال
لا لعمري فسوف يلقى جزاه
يا إلهي، رفقا به وبحالي
كيف يقضي وحبه في ضميري
وبه لوعتي ومنه انتحالي؟
ربما عاد عدلا بعد ظلم
أنت ترجو يا قلب عين المحال
فليمت فليمت ولكن فؤادي
عنده قد ثوى بدون ارتحال
كيف أقضي بقتله وهو روحي
أين رشدي، ماذا جرى، ما احتيالي؟
الجزء الثاني
هرميون - كليون
هرميون :
ما وراءك يا كليون، ماذا فعل بيروس؟
كليون :
رأيته ذاهبا إلى الهيكل، وقد لعب الطرب بعطفيه، وأندروماك بين يديه، وهو ينظر إليها نظر من لم يصدق بالحصول عليها، أما هي فقد رأيتها تسير وهي حزينة، كأن هكتور نصب عينيها.
هرميون :
يا للخيانة، وهل تأملت فيه وهو على تلك الحال، ألم يخجل عندما رآك؟
كليون :
إنه لم يسأل عن هذا الأمر، السرور أنساه القصر، وهرميون وجميع البشر. وقد أقام الحرس لحفظ ابن هكتور زاعما أن الغلام وحده في خطر.
هرميون :
وماذا قال لك أورست؟
كليون :
دخل هو وأصحابه اليونان إلى الهيكل.
هرميون :
وهل هو مستعد لتتميم الأمر؟
كليون :
لا أعلم.
هرميون :
ماذا تقولين ... أورست أيضا يخدعني ويقابلني بالغدر.
أورست عبد غرامك ولا يروم إلا تتميم مرامك.
لكنه بين المخافة والرجا
يسري ولا يدري فأصبح فاكرا
أضحى يطالبه الغرام بقتله
والرشد يثنيه فأضحى حائرا
لا لا إنه جبان لا يخاف إلا الموت، ألا يتذكر الساقط الهمة أن أمي أثارت من أجله حربا دامت عشر سنين وقتل بها عشرون ملكا، وأنا أسأله وهو يدعي حبي قتل خائن غادر فلا يجيب.
يا مهجتي زاد البلا فتزلزلي
مما جرى غما ولا تتعللي
بئس الحياة فلست أوثر حفظها
يا مهجتي سيموت من لم يقتل
فلأشفين النفس ثم أميتها
فإذا اشتفت فكأنني لم أفعل
الجزء الثالث
هرميون - كليون - أورست (أورست يدخل وثوبه ملطخ بالدم، وبيده خنجر يقطر دما.)
أورست :
قد تم الأمر، وبيروس لاقى في الهيكل جزاء الغدر.
هرميون :
مات؟ (تقول ذلك سائلة بلهفة وارتعاد.)
أورست :
أجل لقد تم أمرك، فإني سرت إلى الهيكل بأصحابي اليونان فنظر إلي الخائن غير مبال بي، وأدنى منه أندروماك وتوجها قائلا: ملكتك نفسي وأبيرة وإني لأحفظ ابنك ولو طلبه الثقلان، فلما سمع أصحابي هذا الكلام هاجوا وماجوا، وطاب لهم شرب كأس الحمام، فاخترقت بهم الجمع وبات بيروس محاطا بهم لا يعلم من أين يأتيه البلاء.
رأى أسدا ما راعها الموت في الوغى
يروع قلوب العاشقين زئيرها
تدك الجبال الراسيات بعزمها
وإن سل سيف تلتقيه صدورها
وأسيافها والموت رهن مضائها
حداد مواض ليس يطفى سعيرها
أحاطت به كالعاصفات فلم يكن
ليدفعها ردا وعزمي يثيرها
أنا ابن الذي لا يرهب الموت قلبه
وتحمده الأحياء وهو نصيرها
هرميون :
ما الذي فعلوا؟ (تقول ذلك بيأس شديد.)
أورست :
أرجوك المعذرة، فإن غيظهم أفضى بهم إلى العجلة، وإني أعلم أنك تؤثرين أن أكون أنا قاتله دون غيري؛ ليعلم وهو يلاقي الموت أنه يموت عنك وبك ومنك.
هرميون :
لا كنت يا قاتل الشهم الكريم ولا
لقيت أنسا ولا ذقت السرور ولا
لبست يا فظ عارا لست تنزعه
مدى الزمان فرح يا ابن الطغاة إلى
أورست :
يا للعجب! مولاتي، كيف تأمرين ثم تغضبين إذا نفذ أمرك؟
هرميون :
وهل كان من الحزم أن تجاري عاشقة ذهبت الغيرة بعقلها حتى هونت عليها ما لا يهون؟ أما كان عليك أن تراجعني مائة مرة قبل العمل ... فأنت المذنب، أنت الظالم، أنت القاتل، أنت المطالب بدم ذاك البطل.
قتلتك السماء قتل اللئام
وسقتك الصروف كأس الحمام
رح ودعني فلم يعد من مرامي
ترك هذي الديار فهي مقامي (تقول هذا وتخرج.)
الجزء الرابع
أورست
أورست :
أما والنهى لم يبق دهري على رشدي
فمن منجد قلبا أصيب على عمد
جنود الأسى قد نازلت ربع مهجتي
فما حال فرد بين ذالكم الهند
كأني والأهوال زند ودملج
يضيق ولا ينفك عن ذلك الزند
كأن البلا جاري وقد ألف الوفا
وعاهدني قربا فدام على العهد
كأن بنات النائبات شغفن بي
فواصلنني وصل المقيم على الوجد
يقرب مني الدهر من لا أرومه
ويدنيني ممن قد يطيب له بعدي
تقلص ظل الأنس عني وأقفرت
ربوع سروري وانقضى أجل السعد
مصاب وذنب وارتياع وحسرة
تعددت البلوى على واحد فرد
أثبط عزما ضعضعته نوائب
وأمنع رشدا بالضلالة يستهدي
أطعت الهوى وهو الهوان معللا
بآماله نفسي فخاب به قصدي
قتلت مليكا أيدته يد العلى
وقاومت شخص العزم والحزم والمجد
وخالفت شرع الملك والوطن الذي
وجدت لأحمي مجده في الورى جهدي
وذلك طوعا للغرام وإنه
غريم على رغمي عدو على عمد
لك الله يا من زدت عنها فأعرضت
وقد قابلتني بالتجنب والصد
رويدك ما هذا الصدود وإنني
تقمصت عارا كي أقابل بالضد
قحمت المنايا والظبى تقرع الظبى
ويحمل وخز الشوك مقتطف الورد
فيا زمن الأهوال حسبك ما جرى
وقدك اجتراء يا زمان بما تبدي
ويا موت ما أشقى بعادك عن فتى
تضيق عليه فسحة الغور والنجد
حنانيك جد لي باللقاء وإنني
أليف عنا لم يبق دهري على رشدي (يقول ذلك كمن سلب عقله.)
الجزء الخامس
أورست - بيلاد (بيلاد يدخل مسرعا مرتعد الفرائص، ومعه بضعة رجال من أتباع أورست.)
بيلاد :
سيدي يجب إما أن نخرج من هذا المقام، أو نستعد لملاقاة الحمام، فإن أصحابنا اليونان يمنعون الباب الآن، وقد اجتمع الشعب وسارت فيه أندروماك طالبة للانتقام، فإنها أصبحت بعد مقتل بيروس أرملته الحقيقية ونائبته في الأحكام، وربما كانت ترغب في الجميع إدراك ثأره وثأر بعلها؛ فلنخرج ما دام القوم منشغلين عنا بأمر هرميون، فنبلغ السفن قبل فوات الفرصة.
أورست :
لا لا فقد ألف البلابل خاطري
يا نفس، لا تخشى البلابل خاطري
إني لأتبع هرميون فسر ولا
تنقذ أخا جرح أليف جرائر
بيلاد :
دع ذكرها مولاي واعلم أنها
قتلت فصارت مثل أمس الغابر
أورست :
ماتت ... ... ...
بيلاد : ... أجل مذ عاينت محبوبها
صاحت رويدا بالمليك السائر
ماذا دهاه فدته نفسي هل قضى
ويعيش قلبي ليس عنه بصابر
وتسنمت صخرا ونادت قد دنا
يوم اللقاء بذي صدود نافر
وبخنجر طعنت حشاها طعنة
فجرت دماها كالغدير لناظر
وتنهدت والموت أرعش جسمها
فغدت جوارحها كجنح الطائر
أورست (بذاته) :
أمطري أيتها السموات سحب غضبك ... ولا تبقي ... ولا تذري ... وارميني بسهام النوائب عن قوس الانتقام ... واجعلي لي في وهدة اليأس مقاما ... أليس أنا ... من أوجدت لنظري به مثال غضبك ... ليكون أنموذجا للتعاسة ... نعم وقد استحكمت علاقات المصائب ... وباتت نفسي في دائرة اليأس ... فلا يخرجني منها غير الموت ... نعم الموت ... نعم الموت.
أرشدوني أين جسم العاشقين
لست أطوي بيننا شقة بين
واجمعوا أفئدة لم تأتلف
بوداد واقتلوا عينا بعين
يا لقومي قد سجا ليل البلا
بين بلبال وأهوال وبين
ما احتيالي خانني الصبر وقد
بات عزمي أثرا من بعد عين
لا أرى غير دم حولي جرى
أين رشدي يا أخا الإرشاد أين؟
بيلاد :
سيدي ...
أورست :
ماذا أرى ... بيروس عدت فكيف قد
أنقذت نفسك كي تراني حيثما ...
هذا هو الجرح الأخير ... أجل وذا
دمك الذي يجري ... فيالله ما ...
ذي هرميون لدي ضمت جسمه
لتذود عنه ... وهي تصرخ كلما
ترنو إلي بلحظ منتقم كما
هاج المقاتل عندما نظر الدما
وتقود من جنس الأبالس عسكرا
وأراقما تسعى وتنفث عندما (هنا يذهب بيلاد.)
مهلا بنيات الجحيم فإنني
رجل إلى هذا العذاب تقدما
لمن الأراقم ... فهي فوق رءوسك
ن فهل سعت سعيا لتلسعني كما ...
بادرن نحوي لا تخفن مدافعا
أتلفن جسما للعذاب مسلما
وافتحن لي باب الجحيم كفى كفى
عاينته سجنا مخيفا مظلما (يقول كفى كفى ... كمن رأى شيئا مخيفا بقوله افتحن لي باب الجحيم.) (ثم يصرخ قائلا):
سرحن لي هذي الأراقم علها
تقضي بقتلي فهي فاغرة فما
لا لا ... فهذي هرميون تقدمت
ترمي فؤادي من لظاها أسهما
لا تجفلي ... ها مهجتي لا ترجعي
فلقد وفت قبل الفراق وبعدما (بقوله «لا تجفلي» يخاطب هرميون ويقول البيت الأخير بصوت متقطع من اليأس ويسقط، وإذ ذاك يحضر بيلاد، ومعه أصحاب أورست اليونان ... فبوصولهم إلى المرسح ومشاهدة أورست بتلك الحالة ترتعد فرائصهم، ويصفقون صفقة اليأس، ثم يتقدم بيلاد نحو أورست فيراه قد قضى نحبه.)
Bog aan la aqoon