79
إنه يفضل منظومات فرجيل الزراعية على الأينيذة، وأناشيد الرعاة على منظومات الزراعة، وإنه يتوج الأنشودتين الثانية والعاشرة بتاج الغار والنصر.
غير أنه يبدو أن فتوى ماكاوليه هذه ليست من الحكمة في شيء؛ فالأنشودة تصف كيف خدع ضابط روماني يقاتل في الميدان، في حبه لممثلة. فتصور راع أركادي يبكي حظه أو يسري عن نفسه بالقنص مع الحوريات وسط الممرات البارثينية، فيصوب السهام الكيدونية من قوس بارثي، ولا ريب أن المهارة الفنية التي تتجلى في معالجة موضوع كهذا، تستوجب الإعجاب والاستحسان؛ فالجمال هنا قوي للغاية، ولا يمكن لجمال اللغة أن يخفي ما في المشهد من سمات فنية. كما أن القوة الشعرية التي تسيطر على الخيال هنا ليست من بنات أفكار فرجيل؛ لأنه يجرب قوته فقط؛ فأناشيد الرعاة تصور الواقع وتكسبه طابعا فنيا، أما منظوماته الزراعية فتصف الواقع وتخلق منه قصصا شعرية. فالأينيذة السادسة بما ورد فيها من وصف للعالم السفلي تجعل ما هو غير حقيقي حقيقيا، وتكسب الأرواح قوة الحق وجوهره؛ إذ إن تقدم القوة شيء ملموس. ويمكن للذين يرغبون إدراك هذا أن يقارنوا البكاء على دافنس أو شكوى جالوس بالألم المبرح الوارد في وصف الثور الميت في منظومة الزراعة الثالثة.
80
أو لهم أن يوازنوا بين أي أبيات من أنشودة الرعاة الرابعة وبين الفقرة التي تصف الاقتراب من الجحيم وما تمتاز به من بساطة هائلة في الأينيذة السادسة.
81
بيد أنه يحتمل أن تكون هذه الأنشودة هي خير أناشيد فرجيل المعروفة، هذا علاوة على أنها أفضل مثل يمكن ذكره لما تحظى به الكلمات السحرية من سيطرة على عقول البشر. وقد تركت هذه الأنشودة أثرا فريدا في نفس جمهور قرائها.
وقد كان وصف العصر الذهبي أو المناظر ذات البهجة المثالية من بين المواضيع التي يعكف الشعراء في بداية عهدهم على تناولها للتدرب على الشعر والتمكن منه. على أننا إذا استثنينا بهجة مدلول هذه الأنشودة وما تحدثنا به عن مقدم جيل أوفر سعادة بمولد صبي مقدس؛ لا تختلف كثيرا عما كتب الغير في هذا الموضوع؛ إذ الأنشودة في بعض أجزائها أقرب إلى القبح منها إلى الرفعة، ومن الصعب أن تقرأها دون أن تبتسم من رياض العصر الألفي السعيد، وكيف تزينها كباش بعضها قرمزي، وبعض آخر أصفر، وثالث يعلوه لون أرجواني جميل، في حين أنه إذا فحص المرء الأحد عشر بيتا الأخيرة، تلك الأبيات التي طار صيت جمالها إلى مسافات بعيدة، يرى أنها تعتمد كثيرا على ما فيها من كلمات مسجعة وتكرار فني، بينما تحير الأبيات الأربعة الأخيرة سائر النقاد خشية أن تكون هناك فكرة ما واضحة تخفيها نغمات موسيقاها العذبة.
ويجدر بنا أن نعتبر أناشيد الرعاة هذه دراسات قام بها أحد السادة العظام، فكشف فيها عن كثير من خصاله النادرة، إلا أنه لا يجوز لنا أن نضعها في مصاف إنتاج عبقريته التامة النضج، وإذا ما فعلنا ذلك بقي لنا أن نذكر أن بهذه الأناشيد متعة خاصة إذ إنها تبين مقدرة فرجيل الشعرية والأطوار المختلفة التي مرت بها.
فالأنشودتان الأولى والثانية من أناشيد الرعاة هما أول ما كتبه فرجيل، ولا شك في أنه كتبهما قبل الأنشودة الخامسة؛ لأن هذه الأخيرة تشير إليهما.
Bog aan la aqoon