An-Nushooz Bayn Az-Zawjayn

Ayed Al-Harbi d. Unknown

An-Nushooz Bayn Az-Zawjayn

النشوز بين الزوجين

Daabacaha

الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة

Lambarka Daabacaadda

العدد ١٢٨-السنة ٣٧

Sanadka Daabacaadda

١٤٢٥هـ

Noocyada

مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم الآيات: قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا. وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ سورة النساء، الآيات: ٣٤، ٣٥. وقال تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا. وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا. وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ سورة النساء، الآيات: ١٢٨، ١٢٩، ١٣٠.

1 / 13

المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (١)، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (٢)، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (٣) . أما بعد: فإن الحياة الزوجية القائمة على أساس من التقوى لله ﷿ ومراعاة ما يجب من الحقوق وحسن العشرة بين الزوجين، لهي حياة السعادة والمودة، حياة الرحمة والألفة والمحبة، الحياة التي تكفل لبيت الزوجية كل خير وهناء، وكل أنس وطمأنينة، قوامها الثقة والاحترام. وإن الإخلال بهذا المبدأ لهو السبب في سوء العشرة وزرع الفرقة والنفرة بين الزوجين، يتمثل ذلك بتعالي أحد الزوجين على الآخر، ونزوعه عن طاعته، أو تقصيره عن القيام ببعض حقوقه وما يجب له من حسن العشرة والاحترام، وهو ما يسمى بالنشوز.

(١) سورة آل عمران، الآية: (١٠٢) . (٢) سورة النساء، الآية: (١) . (٣) سورة الأحزاب، الآية: (٧٠-٧١) .

1 / 14

أهمية الموضوع وسبب اختياره: لما كان هذا الأمر - النشوز - من أسباب فساد العشرة، وزرع الفتنة والعداوة بين الزوجين، بل ربما تعاظم الأمر فأوصلها إلى حد النفرة والفرقة وهدم البيوت التي حث الإسلام على رعايتها وتعاهدها بالصلاح والإصلاح وحسن العشرة، بل وسد كل طريق قد يكون سببًا للاختلاف والفرقة. ولخطورة هذا الأمر وأثره على حياة الزوجين أنزل الله جل وعلا بيانه وعلاجه في كتابه الكريم، وفي سنة رسوله ﷺ، وذلك بأمر كلٍّ من الزوجين بالقيام بحقوق الآخر واحترامه، وتلافي أسباب الفتنة والاختلاف، فأمر الزوج - عند خوفه نشوز زوجته - بوعظها ومناصحتها وتذكيرها بحقه عليها، ثم بهجرها في المضجع إن لم تستجب لوعظه، ثم بضربها إن ألجأته لذلك ورآه ناجعًا في إصلاحها وتأديبها، كما أرشد المرأة - عند خوفها نشوز زوجها - إلى مصالحته بما تراه يستجلب رضاه، كأن تتنازل له عن بعض حقوقها عليه، أو تدفع له شيئًا من المال تستعطفه وتستميله به مقابل أن يبقيها في عصمته، وذلك برضاها واختيارها، أما إن استفحل الأمر وخيف ازدياد الشقاق، فقد أمر أهل الحل والعقد ومن له كلمة مسموعة عند الزوجين بالتدخل بقصد الإصلاح والنصح، بل وبعث الحكمين عند الحاجة واستدعاء الأمر لذلك، كل ذلك لتلافي أسباب الفرقة والنفرة، وليبقى بيت الزوجية سعيدًا آمنًا. لذا رأيت أن أفرد تفسير آيات النشوز بين الزوجين ببحث مستقل، مستعرضًا فيه تلك الآيات، مبينا تفسيرها، مع دراسة ما تضمنته من معاني وأحكام؛ واللهَ أسأل أن يبارك الجهد، ويسدد الخطا، ويوفقنا لكل خير. * خطة البحث: تقوم خطة البحث على مقدمة ضمنتها أهمية الموضوع والداعي للكتابة

1 / 15

فيه، ثم قسم البحث والدارسة، ثم الفهارس. وقد اشتمل قسم الدراسة على تعريف النشوز لغة واصطلاحًا، ثم الشروع في تفسير آيات النشوز، وذلك باستعراض تلك الآيات وتفسيرها تفسيرًا تحليليًا مفصلًا، مع بيان ما تضمنته من معاني، وما اشتملت عليه من دلائل وأحكام، وذلك في موضعه من الآية عند وروده في معرض تفسيرها. وكان مما اشتملت عليه تلك الدراسة ما يلي: بيان المعاني اللغوية للمفردات، وكذا ما يلزم من أوجه الإعراب والقراءات والبيان. بيان المعاني التفسيرية للمفردات والجمل. إيضاح ما دلت عليه تلك الآيات من معاني، وما استنبط منها من دلائل ومسائل وأحكام، وذلك بدراسة تلك المعاني والأحكام، دراسةً مفصلةً مستفيضة، مع بسط الأقوال والأدلة، ثم الترجيح حسب الإمكان. ومن أبرز تلك المسائل والأحكام التي تضمنتها الدراسة: مفهوم النشوز من قبل الزوجة، وحكمه، وكيفية معالجته، وبيان ما يترتب عليه من أحكام. بعث الحكمين وما يتعلق بهما من وصف، وما يترتب على حكمهما من مسائل. مفهوم النشوز والإعراض من قبل الزوج، وكيفية معالجته. الحقوق الزوجية وما يترتب على الإخلال بها من مفاسد وآثام. إلى غير ذلك مما ورد في ثنايا البحث من مسائل ومباحث شتى. كل ذلك تمت دراسته في موضعه من الآية، عند وروده في معرض تفسيرها. الفهارس: فهرس المصادر، فهرس الموضوعات.

1 / 16

قوامة الرجل على المرأة، مفهومها، وحكمتها وسبب استحقاقها قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ مناسبة الآية للآيات قبلها: لما نهى سبحانه كلًا من الرجال والنساء عن تمني ما فضل الله به بعضهم على بعض، في أمر الكسب والمعاش، فقال تعالى: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ (١) . وقد ورد أنها نزلت في قول أم سلمة: يا رسول الله، يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث، فذكر هنا أسباب ذلك التفضيل (٢) . وقد أخرج ابن جرير الطبري بسنده عن الحسن البصري: أن رجلًا لطم امرأته، فأتت النبي ﷺ فأراد أن يقصها منه فأنزل الله: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ فدعاه النبي ﷺ، فتلاها

(١) سورة النساء، آية: (٣٢) . (٢) وانظر: تفسير الفخر الرازي ١٠/٩٠، وتفسير المراغي ٤/٢٠٥.

1 / 17

عليه، وقال: "أردت أمرًا وأراد الله غيره " (١) . وأخرج نحوه عن قتادة، وابن جريج، والسدي (٢) . وبالنظر إلى ما تقدم في آيات المواريث من تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث بإعطائه مثل حظ الأنثيين، ثم النهي عن تمني الرجال والنساء ما فضل الله به بعضهم على بعض، كما ورد في سبب نزول قوله: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ...﴾ الآية، يأتي قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ...﴾ بيانًا وإيضاحًا لسبب ذلك التفضيل، وتعليلًا وجوابًا لما قد يرد من تساؤل حول تفضيل الرجال على النساء في أمور: كالميراث، والغزو، والإمامة، والشهادة، والدية، والولاية في النكاح، والطلاق، والرجعة، وغيرها؛ والله أعلم. وقوام: صيغة مبالغة من القيام على الأمر، بمعنى حفظه ورعايته، فالرجل قوام على امرأته، كما يقوم الولي على رعيته بالأمر والنهي، والحفظ والصيانة (٣) . يقول محي الدين شيخ زاده في حاشيته على تفسير البيضاوي: القوام: اسم لمن يكون مبالغًا في القيام بالأمر، مسلطًا عليه، نافذ الحكم في حقه، ليصير كأنه أمير عليه، والقوام والقيم بمعنىً واحد، والقوام أبلغ، وهو القائم بالمصالح والتدبير والاهتمام بالحفظ (٤) .

(١) تفسير الطبري ٥/٥٨، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٢/١٦٧، وزاد نسبته لابن أبي حاتم من طريق أشعث بن عبد الملك عن الحسن، كما نسبه السيوطي أيضًا لعبد بن حميد من طريق قتادة عن الحسن، وللفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق جرير بن حازم عن الحسن. (٢) المصدر السابق. (٣) تفسير آيات الأحكام للشيخ محمد علي السايس ٢/٩٦. (٤) حاشية محي الدين زاده على تفسير البيضاوي ٢/٣١.

1 / 18

وعلى هذا فقوامة الرجل على المرأة تستلزم رعايته لها، وتربيتها، وإصلاحها بما أوتي من عقل أكمل من عقلها، وعلم أغزر من علمها غالبًا، وبعد نظر في مبادئ الأمور ونهاياتها أبعد من نظرها، يضاف إلى ذلك أنه دفع مهرًا لم تدفعه، والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها (١) . هذا مع ما أوتي الرجل من قوة وهيبة ليست لها، لذا استحق عليها شرعًا وعقلًا وفطرة الرئاسة والقوامة، ووجبت له عليها الطاعة بالمعروف. قوله تعالى: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ أي: جعل الله القوامة للرجال على النساء لسببين: أحدهما: وهبي فطري، والآخر: كسبي. وأشار إلى الأول بقوله: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾، أي: يقومون عليهن بالحماية والرعاية والولاية والكفاية قيام الولاة على الرعية بسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعض وهم النساء، وذلك بما جعل لهم ما ليس لهن من الحول والقوة والاستعداد الفطري في أصل الخلقة، وكمال العقل والإدراك، واعتدال العاطفة، مع سداد في الرأي، وقوة في العزم، والحزم، والتحمل، وكذا بعد النظر، ومزيد القوة في العلوم والأعمال والطاعات. وهذا لا يعني انعدام تلك الصفات في النساء، لكنها في الرجال أقوى وأكمل وأتم. فكان التفاوت في التكاليف والأحكام أثر التفاوت في الفطرة والاستعداد. ثم إن تلك القوامة إنما استحقت بالفضل، لا بالتغلب والاستطالة والقهر. وأما السبب الآخر في استحقاق الرجال القوامة على النساء فهو كسبي، وأشار إليه بقوله: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ أي: من المهور والنفقات والسكنى

(١) وانظر: أيسر التفاسير للشيخ أبي بكر الجزائري ١/٣٩٦.

1 / 19

ونحوها مما أوجبه الله عليهم لهن في كتابه وسنة رسوله ﷺ، فالرجال أقدر على الكسب والتحصيل والتصرف في سائر الأمور، فلأجل هذا كانوا هم المكلفين بنفقة النساء ورعايتهن وحمايتهن، والقائمين بأمر الولاية والرئاسة عليهن. وفي تفسير المنار: قوله: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ ومن ذلك المهور، فإن في المهور تعويضًا للنساء ومكافأة على دخولهن بعقد الزوجية تحت رئاسة الرجال، فالشريعة كرمت المرأة إذ فرضت لها مكافأة عن أمر تقتضيه الفطرة ونظام المعيشة، وهو أن يكون زوجها قيمًا عليها، فجعل هذا الأمر من قبيل الأمور العرفية التي يتواضع الناس عليها بالعقود لأجل المصلحة ... فلا ينبغي للرجل أن يبغي بفضل قوته على المرأة، ولا للمرأة أن تستثقل فضله وتعده خافضًا لقدرها ... وقد مضت الحكمة في فضل الرجل على المرأة في القوة والقدرة على الكسب والحماية، وذلك هو الذي يتيسر لها به القيام بوظيفتها الفطرية، وهي الحمل والولادة وتربية الأطفال، وهي آمنة في سربها، مكفية ما يهمها من أمر رزقها ... (١) . وجاء في تفسير آيات الأحكام للشيخ محمد علي الصابوني: قضت السنة الكونية وظروف الحياة الاجتماعية أن يكون في الأسرة قيم يدير شؤونها، ويتعهد أحوالها، وينفق من ماله عليها، لتؤدي رسالتها على أكمل الوجوه، ولتكون نواةً للمجتمع الإنساني الذي ينشده الإسلام، إذ في صلاح الأسرة صلاح المجتمع، وفي فساد الأسرة وخرابها خراب المجتمع. ولما كان الرجل أقدر على تحمل هذه المسؤولية من المرأة، بما وهبه الله من العقل وقوة العزيمة والإرادة، وبما كلفه من السعي والإنفاق على المرأة

(١) تفسير المنار ٥/٦٧-٦٩.

1 / 20

والأولاد، كان هو الأحق بهذه القوامة، التي هي في الحقيقة درجة مسؤولية وتكليف ... وليست للسيطرة والاستعلاء، إذ لابد لكل أمر هام من رئيس يتولى شؤون التدبير والقيادة. وقد جعل الله للرجال حق القيام على النساء بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة (١) . والحاصل: أن الرجل أكمل من المرأة، ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية والدنيوية، والولايات وحفظ الثغور والجهاد وعمارة الأرض، وغير ذلك من الأعمال والصنائع. ويقول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ﵀: هذا خبر وأمر، أي: الرجال قوامون على النساء في أمور الدين والدنيا، يلزمونهن بحقوق الله، والمحافظة على فرائضه، ويكفونهن عن جميع المعاصي والمفاسد، وبتقويمهن بالأخلاق الجميلة والآداب الطيبة. وقوامون أيضا عليهن بواجباتهن من النفقة والكسوة والمسكن وتوابع ذلك؛ ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، أي: ذلك بسبب فضل الرجال عليهن وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات كلها مختصة بالرجال، وكذا النبوة والرسالة، وباختصاصهم بالجهاد البدني، ووجوب الجماعة والجمعة ونحو ذلك، وبما تميزوا به عن النساء من العقل والرزانة والحفظ والصبر والجلد والقوة التي ليست للنساء، وكذلك يده هي العليا عليها بالنفقات المتنوعة، بل وكثير من النفقات الأخر والمشاريع الخيرية، فإن الرجال يفضلون النساء بذلك كما هو مشاهد، ولهذا حذف المتعلق في قوله: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، ليدل على التعميم، فعلم من ذلك أن الرجل

(١) تفسير آيات الأحكام للصابوني ١/٤٧٣-٤٧٤.

1 / 21

كالوالي والسيد على امرأته، وهي عنده أسيرة عانية تحت أمره وطاعته، فليتق الله في أمرها، وليقومها تقويما ينفعه في دينه ودنياه، وفي بيته وعائلته، يجد ثمرات ذلك عاجلًا وآجلًا، وإلا يفعل فلا يلومن إلا نفسه (١) . وحول بعض المباحث اللغوية والبلاغية في الآية يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي، ولذلك قال: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ أي بتفضيل الله بعضهم على بعض، وبإنفاقهم من أموالهم إن كانت «ما» في الجملتين مصدرية، أو بالذي فضل الله به بعضهم، وبالذي أنفقوه من أموالهم إن كانت «ما» فيهما موصولة ... فالتفضيل هو المزايا الجبلية التي تقتضي حاجة المرأة إلى الرجل في الذب عنها وحراستها ... وهذا التفضيل ظهرت آثاره على مر العصور والأجيال، فصار حقا مكتسبًا للرجال، وهذه حجة برهانية على كون الرجال قوامين على النساء، فإن حاجة النساء إلى الرجال من هذه الناحية مستمرة، وإن كانت تقوى وتضعف. وقولُه: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا﴾ جيء بصيغة الماضي للإيماء إلى أن ذلك أمر قد تقرر في المجتمعات الإنسانية منذ القدم، فالرجال هم العائلون لنساء العائلة، من أزواج وبنات. وأضيفت الأموال إلى ضمير الرجال، لأن الاكتساب من شأن الرجال، فقد كان في عصور البداوة بالصيد وبالغارة وبالغنائم والحرث، وذلك من عمل الرجال، وزاد اكتساب الرجال في عصور الحضارة بالغرس والتجارة والإجارة والأبنية ونحو ذلك، وهذه حجة خطابية، لأنها ترجع إلى مصطلح غالب البشر، لاسيما العرب.. ومن بديع الإعجاز صوغ قوله: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ

(١) تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن ص ١٠٨-١٠٩.

1 / 22

بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ في قالب صالح للمصدرية وللموصولية، فالمصدرية مشعرة بأن القيامية سببها تفضيل من الله وإنفاق. والموصولية مشعرة بأن سببها ما يعلمه الناس من فضل الرجال ومن إنفاقهم، ليصلح الخطاب للفريقين، عالمهم وجاهلهم ... ولأن في الإتيان بـ «ما» مع الفعل على تقدير احتمال المصدرية جزالة لا توجد في قولنا: بتفضيل الله وبالإنفاق، لأن العرب يرجحون الأفعال على الأسماء في طرق التعبير (١) .

(١) التحرير والتنوير ٥/٣٩-٤٠.

1 / 23

صلاح الزوجة، مفهومه، وأثره في حياة الزوجين قال الله تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ قال القرطبي: هذا كله خبر، ومقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في ماله وفي نفسها في حال غيبة الزوج (١) . فقوله: ﴿فَالصَّالِحَاتُ﴾ أي المستقيمات الدين، العاملات بالخير. وقولُه: ﴿قَانِتَاتٌ﴾ أي مطيعات لله ولأزواجهن. وأصل القنوت مداومة الطاعة، ومنه القنوت في الوتر لطول القيام. وقولُه: ﴿حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ أي حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن في فروجهن وأموالهم، وللواجب عليهن من حق الله في ذلك وغيره. وقولُه: ﴿بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ أي حفظ الله إياهن من معاصيه وما أمدهن به من معونته وتوفيقه (٢) . " وأخرج ابن جرير الطبري بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسوله الله ﷺ: "خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك"، قال: ثم قرأ رسول الله ﷺ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ الآية. ثم قال ابن جرير: وهذا الخبر عن رسول الله ﷺ يدل على صحة ما قلنا في تأويل ذلك، وأن معناه: صالحات في أديانهن، مطيعات لأزواجهن، حافظات لهم في أنفسهن وأموالهم (٣) .

(١) تفسير القرطبي ٥/١٧٠. (٢) تفسير الطبري ٥/٥٩-٦٠، وأحكام القرآن للجصاص ٢/١٨٨. (٣) تفسير الطبري ٥/٦٠.

1 / 24

ويقول محي الدين شيخ زاده في حاشيته على تفسير البيضاوي: قولُه تعالى: ﴿قَانِتَاتٌ﴾ أي مطيعات، والطاعة عام في طاعة الله وطاعة الأزواج، والصالحات: جمع محلى باللام، فيحمل على الاستغراق، فيدل على أن كل امرأة صالحة لابد أن تكون مطيعة لله تعالى دائمًا ولزوجها كذلك، وأن تكون عند غيبة الزوج حافظة لموجوب الغيبة، وظاهر الآية إخبار، والمراد الأمر، فعلم منه أن المرأة لا تكون صالحة إلا إذا كانت مطيعة لله تعالى ولزوجها حال حضوره، وحافظة لحق الزوج وحرمته حال غيبته (١) . وفي فتح القدير للشوكاني: قوله: (َالصَّالِحَاتُ) أي من النساء (قَانِتَاتٌ) أي مطيعات لله قائمات بما يجب عليهن من حقوق الله وحقوق أزواجهن، (حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ) أي لما يجب حفظه عند غيبة أزواجهن عنهن، من حفظ نفوسهن وحفظ أموالهم، و«ما» في قوله: (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) مصدرية، أي بحفظ الله، والمعنى: أنهن حافظات لغيب أزواجهن بحفظ الله لهن ومعونته وتسديده، أو حافظات له بما استحفظهن من أداء الأمانة إلى أزواجهن على الوجه الذي أمر الله به، أو حافظات له بحفظ الله لهن بما أوصى به الأزواج في شأنهن من حسن العشرة. ويجوز أن تكون «ما» موصولة والعائد محذوف. وقرأ أبو جعفر (بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) بنصب الاسم الشريف، والمعنى: بما حفظن الله، أي حفظن أمره، أو حفظن دينه، فحذف الضمير الراجع إليهن للعلم به. و«ما» على هذه القراءة مصدرية، أو موصولة، كالقراءة الأولى، أي بحفظهن الله، أو بالذي حفظن الله به (٢) .

(١) حاشية محي الدين شيخ زاده على تفسير البيضاوي ٢/٣٢. (٢) فتح القدير ١/٦٩٤-٦٩٥، وانظر: القراءات في قوله:؟ ﴿بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ مع توجيهها في اللباب في علوم الكتاب لابن عادل الحنبلي ٦/٣٦١-٣٦٢، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري ٢/٢٤٩.

1 / 25

وهذا الصنف من النساء، الموصوف بما تقدم في الآية يستدعي من الرجال إزاء تلك الصفات كل إكرام واحترام وشفقة وإحسان، مع القيام بكامل حقوقهن وحسن معاشرتهن، دون منٍ أو أذى، بل بكل مودة ورحمة وحسن أداء. أما الصنف الآخر منهن فله شأن آخر، وهو المذكور في الجزء الآتي من الآية.

1 / 26

نشوز الزوجة، مفهومه، وكيفية معالجته من قبل الزوج قال الله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ هذا هو القسم الثاني من قسمي النساء اللاتي جعل الله للرجال عليهن حق القيام كما سبق، وهو خطاب للأزواج وإرشاد لهم إلى طريق القيام عليهن. (واللاتي) جمع التي، (تخافون) الخوف: هو ما يحصل للمرء من شعور بالفزع، وعدم الأمن عند توقع ضرر أو مكروه، وذلك بظهور بعض الإمارات الدالة عليه. (نشوزهن): نشوز المرأة ترفعها على الزوج بمخالفته ومعصيته فيما يلزمها من طاعته، مأخوذ من نشز الأرض، وهو الموضع المرتفع منها (١) . يقول ابن جرير الطبري ﵀: وأما قوله: (نشوزهن) فإنه يعني استعلاءهن على أزواجهن، وارتفاعهن عن فرشهم بالمعصية منهن، والخلاف عليهم فيما لزمهن طاعتهم فيه، بغضًا منهن وإعراضًا عنهم. وأصل النشوز: الارتفاع، ومنه قيل للمكان المرتفع من الأرض نشز، ونشاز (٢) . ونقل الفخر الرازي عن الإمام الشافعي ﵀ قوله: النشوز قد يكون قولًا وقد يكون فعلا، فالقول مثل أن كانت تلبيه إذا دعاها، وتخضع له بالقول إذا خاطبها، ثم تغيرت، والفعل مثل أن كانت تقوم إليه إذا دخل عليها، أو كانت تسارع إلى أمره وتبادر إلى فراشه باستبشار إذا التمسها، ثم إنها تغيرت

(١) أحكام القرآن للجصاص ٢/١٨٩، وتفسير الفخر الرازي ١٠/٩٢-٩٣. (٢) تفسير الطبري ٥/٦٢.

1 / 27

عن كل ذلك، فهذه إمارات دالة على نشوزها وعصيانها، فحينئذ ظُنّ نشوزها، ومقدمات هذه الأحوال توجب خوف النشوز (١) . وفي تفسير المنار: قوله ﷿: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ...﴾ النشوز في الأصل بمعنى الارتفاع، فالمرأة التي تخرج عن حقوق الرجل قد ترفعت عليه، وحاولت أن تكون فوق رئيسها، بل ترفعت أيضا عن طبيعتها وما يقتضيه نظام الفطرة في التعامل، فتكون كالناشز من الأرض الذي خرج عن الاستواء، وقد فسر بعضهم خوف النشوز بتوقعه فقط، وبعضهم بالعلم به، ولكن يقال لم ترك لفظ العلم واستبدل به لفظ الخوف، أو لِمَ لم يقل: واللاتي ينشزن؟، لا جرم أن في تعبير القرآن حكمة لطيفة، وهي: أن الله تعالى لما كان يحب أن تكون المعيشة بين الزوجين معيشة محبة ومودة وتراض والتئام لم يشأ أن يسند النشوز إلى النساء إسنادًا يدل على أن من شأنه أن يقع منهن فعلًا، بل عبر عن ذلك بعبارة تومئ إلى أن من شأنه أن لا يقع، لأنه خروج عن الأصل الذي يقوم به نظام الفطرة، وتطيب به المعيشة، ففي هذا التعبير تنبيه لطيف إلى مكانة المرأة وما هو أولى في شأنها، وإلى ما يجب على الرجل من السياسة لها وحسن التلطف في معاملتها، حتى إذا آنس منها ما يخشى أن يؤول إلى الترفع وعدم القيام بحقوق الزوجية، فعليه أولًا أن يبدأ بالوعظ الذي يرى أنه يؤثر في نفسها ... (٢) .

(١) تفسير الفخر الرازي ١٠/٩٢. (٢) تفسير المنار ٥/٧٢.

1 / 28

مراحل معالجة نشوز الزوجة المرحلة الأولى: مرحلة الوعظ قوله تعالى: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ هذه أول مرحلة ينبغي أن يسلكها الزوج عند ظهور بعض إمارات النشوز من زوجته، فيذكرها ما أوجب الله له عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة، والاعتراف بالدرجة التي له عليها، وما له عليها من حق يجب أداؤه، وما يترتب على إضاعته من سخط الله وعذابه، فهو ترغيب بأجر الطاعة، وترهيب من عقوبة المعصية، فيما يتعلق بحق الزوج عليها. وقد قال الرسول ﷺ: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها " (١) . وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه، لعنتها الملائكة حتى تصبح" (٢) . وبالجملة ينبغي أن يبدأ بالوعظ الذي يرى أنه يؤثر في نفسها، وهذا يختلف باختلاف حال المرأة، فمنهن من يؤثر في نفسها التذكير بحكم الله ورسوله في وجوب طاعة الزوج وما يترتب على ذلك من الثواب، والتحذير من معصيته وما يترتب عليها من العقاب. ومنهن من يؤثر في نفسها التهديد والتحذير من

(١) أخرجه الترمذي في كتاب النكاح، باب ما جاء في حق الزوج على المرأة، من حديث أبي هريرة، برقم: (١١٥٩) . (٢) صحيح البخاري، برقم: (٣٢٣٧)، واللفظ له، ومسلم، برقم: (١٤٣٦) .

1 / 29

سوء العاقبة في الدنيا، بذكر ما يترتب على ذلك من قطع حقوقها وإباحة هجرها وضربها ومنعها بعض طلباتها ورغباتها ونحو ذلك. واللبيب لا يخفى عليه الوعظ الذي له المحل في قلب امرأته (١) .

(١) انظر: تفسير المنار٥/٧٢، وتيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن للشيخ عبد الرحمن السعدي ص ١٠٩.

المرحلة الثانية: مرحلة الهجر في المضاجع قوله تعالى: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ هذا لمن لم يتقومن بالوعظ والتذكير، ومعنى «واهجروهن»: من الهجران، وهو البعد، يقال: هجره أي تباعد منه ونأى عنه وتركه. والمضاجع: جمع مضجع، وهو محل الاضطجاع. قال ابن عباس: هجرها بأن يوليها ظهره في الفراش، ولا يلتفت إليها، وفي ضمنه ترك كلامها وجماعها. وإذا هجرها في المضجع فإن كانت تحب الزوج شق ذلك عليها، وإن كانت تبغضه وافقها ذلك الهجران، فدل على كمال نشوزها. وقيل: المضاجع المبايت، والمراد تركهن منفردات في حجرهن ومحل مبيتهن، وفي ذلك ترك جماعهن وكلامهن. وقيل: الهجران في المضاجع كناية عن ترك الجماع، لأن إضافة الهجران إلى المضاجع يفيد ذلك. وقيل: (في) للسببية، أي اهجروهن بسبب المضاجع، أي بسبب تخلفهن عن المضاجعة، وإليه يشير كلام ابن عباس ﵄، فالهجران على هذا بالمنطق، قال عكرمة: بأن يغلظ لها القول. وقيل: اهجروهن: أي شدوهن بالوثاق في بيوتهن، من قولهم: هجر البعير، أي ربطه بالهجار، وهو حبل يشد به البعير (٢) . واختاره

(٢) انظر: تفسير الطبري ٥/٦٣-٦٥، وتفسير القرطبي ٥/١٧١، وتفسير الآلوسي ٥/٢٥.

1 / 30

الطبري ﵀ دون سائر الأقوال، وانتصر له (١) . وهو وجه بعيد في تفسير الآية، وقد رده المفسرون؛ جاء في تفسير المنار: وأما الهجر فهو ضرب من ضروب التأديب لمن تحب زوجها، ويشق عليها هجره إياها، وذهب بعض المفسرين - ومنهم ابن جرير الطبري - أن المرأة التي تنشز لا تبالي بهجر زوجها، بمعنى إعراضه عنها، وقالوا: إن معنى «واهجروهن» قيدوهن، من هجر البعير إذا شده بالهجار وهو القيد الذي يقيد به، وليس هذا الذي قالوه بشيء، وما هم بالواقفين على أخلاق النساء وطباعهن، فإن منهن من تحب زوجها ويزين لها الطيش والرعونة النشوز عليه، ومنهن من تنشز امتحانًا لزوجها، ليظهر لها أو للناس مقدار شغفه بها وحرصه على رضاها ... ومنهن من تنشز لتحمل زوجها على إرضائها بما تطلب من الحلي والحلل أو غير ذلك، ومنهن من يغريها أهلها بالنشوز لمآرب لهم ...، وفي الهجر في المضجع نفسه معنى لا يتحقق بهجر المضجع أو البيت الذي هو فيه، لأن الاجتماع في المضجع هو الذي يهيج شعور الزوجية، فتسكن نفس كل من الزوجين إلى الآخر، ويزول اضطرابهما الذي أثارته الحوادث قبل ذلك، فإذا هجر الرجل المرأة وأعرض عنها في هذه الحالة رجي أن يدعوها ذلك الشعور والسكون النفسي إلى سؤاله عن السبب، ويهبط بها من نشز المخالفة إلى صفصف الموافقة (٢) . وفي في ظلال القرآن: قوله: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾: والمضجع هو موضع الإغراء والجاذبية التي تبلغ فيها المرأة الناشز المتعالية قمة سلطانها، فإذا استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء، فقد أسقط من يد المرأة الناشز

(١) تفسير الطبري ٥/٦٥-٦٦. (٢) تفسير المنار ٥/٧٢-٨٣.

1 / 31

أمضى أسلحتها التي تعتز بها، وكانت في الغالب أميل إلى التراجع والملاينة أمام هذا الصمود من زوجها، وأمام بروز خاصية قوة الإرادة والشخصية فيه في أحرج مواضعها ... على أن هناك أدبًا معينا في هذا الإجراء إجراء الهجر في المضاجع، وهو ألا يكون هجرًا ظاهرًا في غير مكان خلوة الزوجين، لا يكون هجرا أمام الأطفال، يورث نفوسهم شرًا وفسادًا، ولا هجرًا أمام الغرباء يذل الزوجة أو يستثير كرامتها، فتزداد نشوزًا، فالمقصود علاج النشوز لا إذلال الزوجة ولا إفساد الأطفال، وكلا الهدفين يبدو أنه مقصود من هذا الإجراء (١) . قلت: وإذا كان المقصود من الهجر في المضجع هو التأديب وإصلاح الحال، فينبغي أن يكون ذلك على قدر ما يفي بالغرض، دون التعدي والتشفي وما يلحق ذلك من البغض والكراهية، فإن هذا ليس من الهجر الجميل النافع، بل ذلك من الهجر المذموم الذي لا يحصل به تقويم ولا مصلحة، إنما يجر إلى مزيد من التنافر والتباعد والاختلاف، وما ينتج عنه من حقد وكراهية وهدم للحياة الزوجية.
المرحلة الثالثة: مرحلة الضرب قوله تعالى: ﴿َاضْرِبُوهُنَّ﴾ حين يستنفد الزوج وسائل الأدب الأخرى، من الوعظ والهجر، ثم لا يرى لذلك أثرًا من إنابة وصلاح، فإن رأى - حينئذ - ضربها ناجعًا فله ذلك؛ وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. على أن يكون الضرب على قدر ما يحصل به الغرض، دون تجاوز أو تعد، لأن المقصود هو الزجر والتأديب،

(١) في ظلال القرآن ٢/٦٥٤.

1 / 32