مع هذا الجمال وهذا الطهر، أتمنى أن أبدأ عملي في هذه اللحظة.
وأراد نادر أن يندب صالح ليكون مرافقا لأنطونياني، ووافق صالح ولكن نازك عرفت: صالح أكبر من أن يرافق رساما ليمر به على آثار مصر.
وانتبه نادر: آسف، ظننتها فرصة أن يتنزه هو أيضا. - هل بعد كشوفه في الصحراء يصبح ترجمانا لرسام إيطالي؟ إن أهم ما يجب أن تتعلمه هو أن تختار الشخص للمهمة، هذه مهمة يستطيع أن يقوم بها أي موظف صغير في الوقف، ولا يجوز أن تصغر كبار رجالك حتى يظلوا كبارا؛ فالكبير كبير بمن حوله. - نينا أنا أسف، وأنت لا تحتاجين إلى كل هذا الحديث حتى أعدل عن رأيي، يكفي أن أعرف رغبتك. - ليست هذه رغبة، إنها رأي انتهزت الفرصة لأقوله لك. - يبدو أنني صغير ما زلت محتاجا للتعليم. - أيضايقك أن أقول رأيي؟ - لا، ولكن أرجو أن تذكري أنني أصبحت ناظر الوقف ولست طفلا. - هل فيما قلت ما يدل على أنني أعتبرك طفلا. - لا، في هذه المرة أنت محقة. - حين لا تجدني محقة ذكرني بأنك أصبحت الباشا ناظر الوقف. - نينا، انت زعلت؟ - إنت زعلت؟ - أبدا. - وأنا، أبدا.
ولم يذهب صالح لمرافقة أنطونياني، ولكن رأيا آخر ظهر. - نينا. - نعم يا نادرة؟ - لماذا لا أذهب أنا مع أنطونياني؟ - أنت؟ هل جننت. - أتفرج على آثار مصر. - وحدك؟ - ولماذا وحدي؟ لتكن معي مدام إيزابيل مربيتي، وليذهب نعيم معنا. - اسألي أخاك.
ووافق نادر وأصدر أوامره بإعداد الرحلة، وطبعا صحب الرحلة موظف اختاره صالح. ••• - صالح، الآن أستطيع أن أنفذ مشروعنا. - أكاد أعرفه. - أتعرفه حقا؟ - أنت تعرفين أنني لست غبيا. - إذن فليسر الأمر ولو لمرة واحدة طبيعيا بيننا. - ونادر؟ - دع الأمر يكون طبيعيا ولو لمرة واحدة بيننا. - نادر؟ - نناقش التفاصيل فيما بعد. - إذن يا نازك هانم أنا يشرفني أن أتقدم لخطبتك. - آه هكذا، هكذا يصبح الأمر طبيعيا، فأنت لأول مرة تطلبني. - وأطلبك إلى الأبد. - أخيرا. - ما جوابك؟ - أحب أن يكون الأمر طبيعيا. - أليس طبيعيا الآن؟ - المفروض أن أقول دعني أفكر. - أهذا هو المفروض؟ - دعني أفكر. ••• - أولا تطلق خديجة؟ - ماذا؟! - أنا نازك هانم، أتريدني زوجة ثانية؟ - ولكن، الأولاد. - هذا شأنك. - ماذا أقول لهم؟ - وهل أنت مضطر أن تقول؟ - وهي ما ذنبها؟ - أهي صحوة ضمير؟ - مجرد تساؤل. - عليك أنت أن تجيب على هذا التساؤل. - ونادر؟ - هذا شأني أنا. - قد يطردني. - لا يستطيع. - بل يستطيع. - لا يستطيع. - أنا أعرف تأثيرك عليه، ولكن هناك أمور قد لا يتحملها أحد. - اسمع، إني دبرت الأمر. - كيف؟ - سيظل الزواج سرا. - سرا؟ - سرا؟ - فما الداعي له إذن؟ - سرا وليس سرا. - لأول مرة لا أفهم. - سيعرف جميع المحيطين بنا أننا تزوجنا، ولكننا لن نعلن الخبر. - الآن فهمت. - سيصبح الخبر عند الناس إشاعة تحتمل الكذب والصدق، فإن طردك نادر ستصبح الإشاعة صدقا فقط لا تحتمل الجانب الآخر. - تهديد. - لنادر. - وماذا سيكون موقفه مني؟ - موقفه من زوج أمه. - أخشى أن يغضب مني. - في أول الأمر قد يغضب. - ثم؟ - ثم سيعرف إنني أنا التي أريد، وأنا مستعدة لتحمل كل ما يستطيع أن يصنعه. - إنه يملك سلطات واسعة. - لقد عشت عمري الماضي خائفة من زوجي، ولن أعيش عمري الباقي خائفة من ابني. - إنه ناظر الوقف. - وأنا أمه. - أعلم. - لن يستطيع أن يعلن الشقاق بيننا لو حدث شقاق. - إذن أمرك. - لا تنس أنك أنت الذي طلبت الزواج. - لا يمكن أن أنسى. - إذن فلنبدأ إجراءاته. - أمرك. - كن زوجي ولا تكن موظفا عندي. - أمرك. •••
كانت خديجة تتوقع أي شيء إلا أن يطلقها، كانت تتوقع أن تقوم علاقة بين نازك وصالح، ولعلها مع أسوأ الفروض كانت تتوقع أن يتزوج صالح من نازك. ولكن طلاقها هو الأمر الوحيد الذي لم تتوقعه، قرأت ورقة الطلاق وقرأتها ثم أصابها وجوم جازع منهار، ثم وجدها من حولها في حالة هيستيرية مجنونة معربدة، فهي دائرة في البيت تحطم كل ما تجده بلا تفكير.
حطمت وحطمت، وابنها وابنتها ينظران إليها ذاهلين، وحين قرأ أيمن الورقة الملقاة على الأرض أعطاها دون كلمة إلى أخته عزة، وفهم الأبناء ما تعانيه أمهما فأصبحا ينظران إليها في إشفاق لا يدريان ماذا يفعلان أو ماذا يقولان؛ فقد شعر كلاهما شعورا واحدا أن أي عمل وأي حديث عبث.
ولكن خدم المنزل سارعوا يلتمسون العون، فمنهم من طلب الأم إلهام ومنهم من طلب الطبيب، وخديجة في ثورتها المجنونة العارمة لا تحس بأحد ولا بشيء.
وجاء الطبيب ولم يكن بيده إلا أن يطلب إليهم أن يمسكوا بها عنوة ليعطيها إبرة مهدئة، وأعطاها الإبرة المهدئة، وكانت إبرة مورفين. •••
لأول مرة واجه نادر أمرا لا يريده، وأحس بنفسه في مصيدة لا يطيق منها فكاكا؛ فقد طالعته أمه بخطتها كاملة، من حق المرأة أن تتزوج إذا كانت في سنها حتى ولو كانت زوجة الباشا الناظر السابق للوقف ووالدة الباشا الناظر الحالي للوقف، فهي تظل امرأة. حقيقة لم يكن نادر يفكر فيها أبدا فلم يكن يتصور أن أمه امرأة، إنما كان يتصور أنها أمه فقط.
Bog aan la aqoon