Amiira Dhat Himma
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
Noocyada
وكم تمنت ذات الهمة خلال مواسم حصارها للقلعة الحصينة التعرف على جنبات ذلك القصر الساحر المطل على البحر الأبيض، والمليء بالنافورات الهائلة والشلالات ومجاري الماء بألوان قوس قزح، بالإضافة إلى النواعير وسواقي رفع الماء التي كانت تحدث أصواتا موسيقية متناسقة الإيقاع، تسمع من بعد فتثير الشجن في النفوس، خاصة جند المسلمين القادمين من أغوار الشام وغوطات دمشق الغناء، ومجاري مياه صور وصيدا والدامور.
فكان عندما يجن الليل وتحط الظلمة تنبعث من جنبات ذلك القصر الحصين موسيقى عالية صاخبة، يغلب عليها المجون، يصاحبها حفلات الرقص المحموم التي كانت تقيمها الأميرة «باغة»، فتترامى إيقاعاتها وألحانها على طول الجزيرة مستغرقة الليل بطوله، وكأن ما يحدث لا علاقة له بظروف الحرب الضارية التي لم تتوقف رحاها على مدى السنوات الطوال منذ عهد جدها الصحصاح.
لكم تمنت ذات الهمة واشتهت من أعماقها النفاذ إلى جنبات وساحات تلك القلعة المنيعة المدججة بالسلاح والرسم وفاخر الأثاث والمروج والنغم، ليس طمعا فيما تحويها من نفيس المفروشات وحياة اللهو؛ بل لأن مبعث ذلك رغبتها المنطلقة من واقع الإعجاب بموقع القصر - العدو - وصموده وجبروته المنيع الاقتحام. وهو أمر لم يحصل إلا بالحيلة والخداع.
حتى إذا ما تحقق لها ما تمنت وحلمت به طويلا، وتمكنت كتائبها بالخداع والتنكر تحت زي الرومان وسحنهم ولحاهم وصلبانهم ورطانتهم من اقتحام القصر وإسقاطه، ومنازلة قائدته الأميرة باغة وقطع رأسها، أجمع مستشاروها على أهمية انتقال الدلهمة وحاشيتها إلى هذا القصر، حتى الأمير عبد الله بن سليم ذاته، أمير أمراء الحملة من قبل أمير المؤمنين، طالبها باتخاذه مقرا، والاستفادة مما يحويه من معدات استطلاع للمداخل البحرية، وحركة الرياح، والتيارات البحرية والموجات، وطرق الإنذار المتقدمة التي تفوق فيها الرومان، بل هو أقسم عليها لحسم الأمر أن تتخذه مقرا لها.
ووافقت ذات الهمة على الانتقال بعد أن رغبت في تغيير ملامحه ومحتوياته التي لا تليق بمحاربة، بل بغانية.
وهكذا ما إن وطئت قدماها عتبات ذلك القصر الحصين، وفي أعقابها حاشيتها وبعض حرسها من المقربين وجارياتها، حتى اندفعت متنقلة في جنباته وساحاته؛ حيث هالها ذلك الثراء المترع الذي لا يخلو من جشع التي كانت تعيش فيه قبلها؛ غريمتها الأميرة الرومانية «باغة».
وكانت هناك أكداس من المجوهرات والشموع والشمعدانات والأيقونات البديعة، والأحجار النفيسة التي جلبت لها من كل بقاع العالم، ناهيك عن السراديب والمخازن التي تعج بكل ما لذ وطاب من فاخر الطعام والمفروشات، من ديباج وسجاد وستائر وأثاث فائض عن كل حاجة.
ومن فورها صرخت ذات الهمة في حاشيتها مطالبة برفع كل هذا، واستبداله بالأثاث والاحتياجات الحربية العربية التي اعتادتها دون حاجة لمخلفات سابقتها.
كان الحارث على دراية واسعة بدهاليز القصر الحصين ومسالكه وخباياه، وحتى منافذه البحرية وخزائن مؤنه وعتاده، فهو الذي عمل داخله هو ورجاله في نقل أسلابه ومؤنه إلى بوش المسلمين وعتادهم.
لذا ما إن تحقق الحارث من غرضه في شرب وتجرع ذات الهمة للمخدر من يد وصيفها وابن مربيتها السودانية مرزوق، حتى عاجل بالدخول إلى مخدعها.
Bog aan la aqoon