فالود في ديننا قراض
9
ثم شعرت كأني أخاطب حورية هبطت من الجنة؛ فقد كانت تقطع الأنفاس بعذوبة ألفاظها، وتختلس الأرواح ببراعة منطقها، وتذهب الألباب برخيم نغمها، مع رشاقة قد واعتدال، فحار والله البصر فيها، وتلجلج اللسان، ثم ثاب لي عقلي وراجعتني شجاعتي، فقلت:
أترى الزمان يسرنا بتلاقي
ويضم مشتاقا إلى مشتاق
فأجابت:
ما للزمان يقال فيه وإنما
أنت الزمان فسرنا بتلاقي
ثم سرت وتبعتني - وذلك في أيام إملاقي - فقلت ما لي إلا منزل مسلم بن الوليد، فسرت بها إلى بابه، فخرج، فقلت له: «أكمل الخير معي، وجه صبيح يعدل الدنيا بما فيها، وقد وقع بي ضيق وعسر.» فقال: «والله لا أملك غير هذا المنديل.» فقلت: «هو البغية» وتناولته. فقال: «خذه فاشتر لنا بثمنه شيئا.» فتركت الجارية عنده، وذهبت فبعته واشتريت لحما وخبزا ونبيذا، وصرت إليه فوجدتها تتساقط معه حديثا كأنه الزهر الممطور، فقال: «ما صنعت؟» فأخبرته، قال: «كيف يصلح طعام وشراب وجلوس مع وجه جميل بلا ريحان وطيب، اذهب فأحضر لنا شيئا من ذلك.» وأخرج نصف دينار، فأخذته وذهبت، ثم عدت إليهما فوجدت باب الدار مفتوحا وليس لهما من أثر ...!
فضحك علوية وصاحباه وقالوا: والله إنك لأحمق البشر ...!
Bog aan la aqoon