فقال: متى حضرت الملائكة هربت الشياطين. فقال الأمير: إذن كان يجب أن تهرب قبل مجيئنا.
فقال عنتر: كنت عازما على الهرب، ولكن أم يوسف مسكتني؛ لأنه لا يطيب لها عيش في البعد عني.
فقالت أم يوسف: اسكت يا لعين، وخلنا من شرك فأنت في كل عرس لك قرص.
والتفت السر هنري إلى الأمير أحمد كأنه يستفهم منه عما يقوله القزم، فترجمه له فضحك وهو يقول في نفسه: هذا مجلس من مجالس الأمراء حقيقة، وهذا من الأقزام الذين لا يخلو منهم مجلس أنس من مجالس الملوك.
وكان الخدم قد غلوا القهوة وأرادوا تقديمها للسر هنري قبل غيره، فأبى إلا أن تقدم إلى الأميرات أولا. فقالت له الأميرة هند: إذن العادة عندكم مثل العادة عندنا تقديم الأميرات على الأمراء. وترجم له الأمير أحمد ذلك، وقال له: إن هذه هي العادة عندنا أيضا، ولكنها خاصة بالأميرات، وأما سائر الناس فرجالهم مقدمون على النساء في كل شيء. فعجب السر هنري من ذلك، وقال: إذن لم يفضل أميرات الشرف إلا لأن حقهن في التفضيل أثبت من أن ينكر.
وكان مجلسه مواجها لمجلس الأميرة سلمى ، فلم يسعه إلا النظر إليها مرة بعد أخرى، فصبغ الحياء وجنتيها وزادها جمالا على جمال، ولحظ حرج موقفها، وشعر من نفسه أنه في موقف تذوب فيه المهج، فنهض واستأذن في الانصراف، فنهض السيدات إجلالا له، فودعهن مصافحة، وعاد أدراجه هو والأمير أحمد وهو مبلبل الأفكار، وخاف أن يظهر أمره، فجعل يحاول جمع أفكاره المشتتة وهو ينظر إلى ما حوله فيرى صورا تمر أمام عينيه ولا يفقه لها معنى، إلى أن وقعت عينه على نبات صغير الورق له ثمر أحمر كحبوب المرجان، فوقف وقال للأمير أحمد: انظر، هذا نبات الفوة الذي يستعمل في الصباغة، وهذه أول مرة رأيته نابتا.
وكان عارفا بعلم النبات مغرما بجمع الحشائش، فأخذ يصف بعض ما يراه منها لكي يخفي ما به من تبلبل الأفكار.
ولج عليه الأمير أحمد لكي يبيت عنده تلك الليلة، وأرسلت أمه تلج أيضا، فاعتذر بأنه لا بد من عودته حالا لكي يكتب مكاتيبه لقيام سفينة البريد في الصباح، لكنه وعد بالعودة في الأسبوع التالي لاستئناف البحث عن المغارة.
الفصل السابع
مطارح النظر
Bog aan la aqoon