Amiir Cumar Tusun
الأمير عمر طوسون: حياته – آثاره – أعماله
Noocyada
ومنذ كان الأمير في صباه، حين كان لين العود، ريق الشباب، وهو مولع بالسياحة، محب للرياضة، وشغفه بالفروسية - على وجه التحديد - يعرفه كل من كان له به صلة، فهو من الرماة المهرة، وله في الصيد قدم راسخة.
وظل شغفه هذا بالرياضة ملازمه في كل مراحل حياته العامرة بالمجد، والجد، والدأب على العمل، ولما تقدمت به السن، استحال هذا الشغف إلى رعاية كريمة، كان يوليها للهيئات الرياضية في البلاد. فكانت أياديه البيضاء عليها تحفزها إلى الإقرار بأفضاله، وتنشط همتها، وتضاعف عزيمتها لرفع شأن البلاد، وكان دائما يختار رئيسا لها بالإجماع من حين إلى حين.
أما سياحاته فتنطق بها آثاره المشهورة، وكان كلفه بها داعيا له على أن يجعل له حاشية خاصة ترافقه إلى الجهات النائية التي يرحل إليها، باحثا منقبا. والجميع يعلمون أن سموه كان رحالة بحاثة، وإليه يرجع الفضل في التعريف بالكثير من مجاهل طرابلس، والصحراء الغربية، والأمكنة التي لم تكن معروفة في مريوط ووادي النطرون. ولعله المصري الوحيد الذي أحاط بدقائق المعلومات عن هذه الأماكن، بدوام تردده عليها، ومخالطته لأهليها، وتدارسه عن عاداتها مع علمائها وعلية الناس فيها!
كما لا ينسى أحد ما كان لرحلاته إلى الواحات الخارجة وغيرها عن طريق الصحراء من عميم النفع، وما توصل إليه في هذه الرحلة العظيمة من المعلومات المفيدة، وزيارته لدير المحرق في عام 1935، وما أثمرته هذه الرحلة وسواها من المؤلفات النفيسة التي أصدرها سموه ناطقة بأمجاد تاريخنا، مما سنفصله في الفصول القادمة.
الفصل الثاني
الأمير عمر طوسون في شبابه
اضطلاعه بإدارة أعماله
من يقف على أطوار هذه الحياة النافعة التي عاشها فقيد الشرق العظيم الأمير عمر طوسون، يعجب أشد العجب من ممارسته لمتعدد الأعمال، في غير ضجر أو تعب، واستغلاله لكل لحظة فيها بما يعود بالخير على البلاد، في غير سآمة أو ملل!
فما كاد سموه يعود إلى موطنه بعد استكمال دراسته، وإتمام سياحته، حتى كان قد بلغ أشده، وأشرف على سن رشده، فتولى شئون دائرته، وأمسك بزمامها بنفسه: يصرف أمورها على تعدد أعبائها في حكمة، ورصانة؛ تشهد له بالمهارة والاقتدار!
وأخذ الأمير عمر من هذا اليوم يطوف بمزارعه شرقا وغربا، ويمارس الفلاحة إلى جانب أهل القرى، وكلما وقع على رأي في كتب الفنون الزراعية أشار بإدخاله، مطبقا العلم على العمل، جاهدا في الوقوف على الأصول العلمية لاستثمار الأرض، مراجعا للمسائل الإدارية التي يقتضيها إشرافه الكامل على زراعاته الواسعة، حتى أصبح سموه بعد قليل مزارعا من القلائل الذين خبروا أحوال الزراعة المصرية وعرفوا أسباب تقدمها ، وعوامل تأخرها. وقد كانت معارفه، واختباراته وليدة الأسس الصحيحة التي بنى عليها سموه شهرته كمزارع؛ فقد انتفع بتجاربه، التي هي ثمرة الدرس والعمل معا في هذه الناحية الحيوية الهامة، وما يتصل بها من الجوانب الاقتصادية. فكان للبلاد المعلم الحكيم والمرشد الأمين، في كل معضلة، فقد كان ينير لها بسديد آرائه الظلمات المدلهمة في مسالك الوجود!
Bog aan la aqoon