فنحن في مأتم وفي عرس
يضحكها القائم الأمين ويب
كيها وفاة الرشيد بالأمس
بدران بدر أضحى ببغداد في ال
خلد وبدر بطوس في الرمس
وكان ابن الفضل أثناء ذلك لا يشغله شاغل عن الأمر الذي يريد أن يسره إلى الملفان سعدون، فما كاد يفرغ من مشاهدة المبايعة حتى تلفت فرأى الملفان يتأهب للخروج، فاعترضه وسأله القدوم معه، فاعتذر إليه ووعده بأن يعود إليه في المساء. وكان عازما على البحث عن مولاه بهزاد ليرى ما يكون.
فقال له ابن الفضل: «عد إلينا في المساء إلى منزلنا بالرصافة.» فودعه ومضى يلتمس القصر المأموني. •••
كان أهل القصر قد علموا بموت الرشيد، فشق نعيه عليهم، ولا سيما زينب بنت المأمون، فلما سمعت الخبر بكت كثيرا. وتوقعت دنانير الانقلاب الذي يخشى حدوثه بعد موت الرشيد لاطلاعها على كثير من دسائس أهل البلاط وإن كانت لم تعرف بعد ما عرفه بهزاد من نكث بيعة المأمون. وأصبحت تنتظر خبرا من مولاها؛ لأنه إن كان سيتولى خراسان تنفيذا للعهد، فقد يبعث إلى ابنته وسائر أهله بالشخوص إليه. وشعرت وهي في اضطرابها بحاجتها إلى الطبيب بهزاد تستشيره أو يساعدها في التخفيف عن زينب؛ فإنها على صغر سنها اشتد حزنها على موت جدها وانقبض صدرها ولم تعد تفرح لشيء بعد أن كانت تضحك لأي شيء، فلازمت غرفتها ودنانير لا تفارقها. وأمسكت زينب عن الطعام حتى أثر الحزن في صحتها وأصابها دوار وامتقع لونها وعجزت دنانير عن تعزيتها. ولما شغل بالها على صحتها استأذنتها في استشارة بعض أطباء القصر فأبت. ولما ألحت عليها قالت: «وأين طبيبنا الخراساني؟» فمكثت تنتظر مجيئه بفارغ الصبر.
أما عبادة أم جعفر فساءها موت الرشيد؛ لأنه بمنزلة ولدها، فضلا عن ذهاب آمالها في وساطة زينب لديه في شأنها. ولكنها فكرت من الجهة الأخرى فيما عساه أن يكون من الانقلاب في أمر الخلافة مما قد يعود عليها بالخير. على أنها كانت ضعيفة الأمل لعلمها بما يسعى فيه أعداء المأمون، وهم أعداء الفرس وأعداؤها طبعا، ورأت حتما عليها أن تساعد دنانير في التخفيف عن زينب، فإذا خلت بها تباحثتا فيما سيكون.
وأما ميمونة فقد شغلت عن ذلك كله بما هاج في قلبها من الشوق إلى حبيبها. والحب يشغل صاحبه عما حوله من الشئون، فإذا غاب حبيبه طارت نفسه شعاعا وأصبح همه في أن يعود إليه، لا شيء ينسيه شوقه أو يعزيه على وجده. وإذا اشتغل بشيء فإلى أجل، وإذا اجتمع بالحبيب قام بينه وبين الحوادث سد منيع فيصبح أصم إلا عن سماع حديثه، وأبكم إلا في جوابه، وأعمى إلا عن رؤيته، وقد يسمع أو يرى ولكن كالسامع من وراء جدار أو الناظر في ديجور الظلام، وإذا وقعت حوله الطوارئ فإنما يهمه منها ما يقربه من الحبيب أو يبعده عنه. فلم يكن موت الرشيد ليهم ميمونة إلا من هذا القبيل، ولأنها كانت لا تزال في ريب مما في نفس بهزاد بعد أن ودعها بالأمس وخرج مسرعا على تلك الصورة ومضى معظم ذلك النهار ولم يرجع ولا جاء خادمه.
Bog aan la aqoon