فتناول الهرش الحديث عنه وقال: «ولكن حامل البريد مع ثقته بي ورغبته في إرضائي كتم عني خبرا آخر قال إنه على جانب عظيم من الخطورة ، واكتفى بأن ذكر أنني سأعرفه قريبا.»
فقطع سعدون كلامه وقال: «لا شك أنك ستعرفه؛ لأنه سينشر على رءوس الملأ، ولو كان كتاب المندل معي لاستطلعته في هذه الدقيقة ولكن ...» وتحفز للخروج وكأنه يهم بالذهاب لعمل المندل، ونادى غلامه أن يأتيه بالفرس فاستوقفه الهرش قائلا: «أراك مسرعا وأنا في حاجة إليك.»
قال: «إني رهين أمرك، ولكنني أحب الاطلاع على بقية الخبر.»
فقال: «ولكننا تواعدنا على الاجتماع هنا لنتكلم فلم يطل مقامنا، ثم إن أخانا علي بن عيسى بن ماهان صاحب الشرطة يجب أن يراك؛ لأنني كثيرا ما ذكرتك بين يديه وحكيت له عن معجزاتك.»
فقطع كلامه قائلا: «أخاف أن تكون ذكرت الكيمياء.»
فضحك الهرش وهو يتشاغل برفع حمائل سيفه وقال: «الكيمياء؟ كلا، ولكنني قصصت ما أنت عليه من المهارة في النجامة والمندل فرأيت منه ميلا لرؤيتك، وأوصاني بأن آتيه بك. وأظنه ينفعك؛ لأنه صاحب شرطة بغداد وله شأن كبير، ولا سيما بعد هذا الخبر؛ فإن مولانا الأمين يعول عليه ويحبه. وهذه فرصة لي أيضا لأكافئك على حسن صنيعك.»
فأطرق سعدون هنيهة وهو ينتف عثنونه وينكت الأرض بعكازه ثم قال: «دعني أذهب الآن على أن أعود إليك بالخبر الليلة.»
قال: «إذا كنت تعود إلي الليلة فلا بأس من ذهابك الآن، وأتني في أي هزيع من الليل تجدني في قاعة العيارين بالحربية وأنت تعرفها. ومتى جئت نذهب معا إلى دار صاحب الشرطة فسيكون ساهرا، ولا أظنهم ينامون الليلة إذا بلغهم ما بلغنا من أمر الرشيد؛ لأن موته سيحدث تغييرا خطيرا أرجو أن يكون منه نفع لي ولك.» قال ذلك ومد يده إلى يد سعدون كأنه يحييه، ثم نادى غلامه فجاء يحمل صندوقا صغيرا وعصا وملاءة مما قد يحتاج إليه في أثناء الطريق، فأشار إليه أن يعطي للخمار بعض المال، فدفع إليه صرة صغيرة بها دراهم فأخذها الخمار شاكرا وأكب على يد الهرش يهم بتقبيلها فمنعه، فالتفت سعدون إليه وقال: «هل جاء الأمير الهرش إليك الليلة؟»
فأدرك الخمار أنه يعرض برغبته في كتمان ذلك ؛ فأجابه: «كلا يا مولاي، ولا الملفان سعدون. كن مطمئنا.»
فالتفت الهرش إلى سعدون ضاحكا، فقال هذا: «اركب أنت قبلي، ثم أركب أنا حتى لا نترك أثرا لاجتماعنا.»
Bog aan la aqoon