قال: «ولكن لا أعلم كيف يكون حالهم بعد أن استفحل أمر أصحاب المطامع حتى نكثوا البيعة، فإذا رأى أمير المؤمنين أن يستقدم أهله إليه فعل!»
فقال: «أصبت أيها الطبيب، إني فاعل ذلك إن شاء الله.»
وإنما أشار بهزاد بذلك على المأمون رغبة في استقدام ميمونة ونجاتها من أعدائها، ولم يكن سلمان قد أخبره بشيء مما أصابها في بيت الأمين.
وسأله المأمون: «وكيف فارقت أم حبيبة؟»
فقال: «فارقتها بعافية وشوق إلى أبيها.»
فابتسم المأمون عند ذكر ابنته لأنه كان يحبها كثيرا ويعجب بذكائها وتعقلها على صغر سنها، وتحقق أن بقاء أهل بيته في بغداد لا يخلو من الخطر فعزم على استقدامهم، فالتفت إلى الفضل الجالس بجانبه وقال: «كيف ترى الطالع اليوم؟ هل يستحسن أن نرسل فيه من يحمل إلينا أهلنا؟»
فأخرج الفضل من جيبه أسطرلابا صغيرا من الذهب كان لا يفارقه، وأطل من بعض نوافذ القصر ونظر فيه وعاد فقال: «لا بأس بالذهاب اليوم يا سيدي، ولكن الذهاب غدا أفضل.»
فعهد المأمون إلى خادمه نوفل في السفر إلى بغداد لاستقدام أهل بيته، ثم التفت إلى الفضل وسأله: «وبماذا نجيب وفد الأمين؟»
قال: «الرأي لأمير المؤمنين، وإذا أذن في إبداء رأيي فأرى أن ترد الوفد خائبا؛ فإنك بين أخوالك أمنع عليه منك في بغداد بين رجاله وكلهم يداجونه ويتملقونه، كما أرى أن تلاينه وتكتب إليه كتابا رقيقا لا تظهر فيه عزمك على مناوأته، بل تتلطف في استعطافه، فإن ذلك أقرب إلى الدهاء في السياسة!»
فاستحسن المأمون وكتب إلى أخيه الأمين كتابا قال فيه: «أما بعد، فقد وصل إلي كتاب أمير المؤمنين، وإنما أنا عامل من عماله، وعون من أعوانه، وقد أمرني الرشيد بلزوم الثغر، ولعمري إن مقامي به لأعود بالفائدة على سلطان أمير المؤمنين، وأعظم غناء للمسلمين. وإن يكن في شخوصي إلى بغداد ما يحقق أملي في قرب أمير المؤمنين والاغتباط بمشاهدة نعم الله عنده، فإن رأى أن يقرني على عملي ويعفيني من الشخوص فعل إن شاء الله.» ودفع الكتاب إلى رئيس الوفد.
Bog aan la aqoon