Amin Khuli
أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد
Noocyada
ولا يبقى إلا أن يكون في المجتمع من يضمن مسايرة الفكرة للحياة ووقايتها من عوادي الجمود. وبهذا يظل الإسلام دائما كما كان في عهده الذهبي: قوة دافعة للتقدم، ورسالة الحياة والعالمية والخلود.
وأردف الخولي هذا بوقفة مع مجددي القرون الهجرية الأربعة الأوائل - فكرا وعملا - وهم: عمر بن عبد العزيز، والإمام الشافعي، وابن سريج، وأبو سهل الصعلوكي، وأبو الحسن الأشعري، والباقلاني، لإبراز مواطن تجديدهم وأهميتها وفاعليتها، هادفا إلى «استخلاص ما في أقوال أولئك الأخيار وأفعالهم، مما تفيد منه الحياة فتتجدد وتتطور وتبرأ من آفات آراء وأضرار أفعال.»
على أن الخولي - وهو الشيخ الأصولي - لم يكتف بهذا التنظير في تأصيل التطور، وأردفه بالاستناد إلى الحديث الشريف: عن سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها» اتفق الحفاظ على أنه حديث صحيح .
يمضي الخولي في هذا التأصيل دفعا لمظنة المحافظين، فيستهل كتابه «المجددون في الإسلام» بأنه على أساس تحقيق مخطوطتين في دار الكتب المصرية، هما كتابا «التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة» للإمام جلال الدين السيوطي (متوفى 911ه)، و«بغية المقتدين ومنحة المجددين» للمراغي الجرجاوي في القرن الثالث عشر الهجري، وهما ليسا من عهود الثوثب والإشراق، بل من أجواء مسرفة في الانغلاق، ومع هذا ظلت فكرة التجديد قوية الحضور؛ لأنها أصل من أصول الدين، حتى إنه لا يجوز في عرف السيوطي خلو العصر من مجتهد، واستعاذ بالله من صيرورة الأمر إلى هذا الحد.
للسيوطي كتاب مفقود هو «الفوائد الجمة في من يجدد الدين لهذه الأمة» فضلا عن أنه نظم شعرا أسماه «تحفة المهتدين في بيان أسماء المجددين»، ويلاحظ الخولي أن الكثرة المطلقة منهم «رجال أنجبتهم وآوتهم وعلمتهم مصر، ذات الفضل العتيد على المدنية منذ عرفها بنو آدم.»
59
وقد بلغ الأمر بالسلف حد اعتبار المجددين بمثابة الأنبياء في عصرهم. وإذا كان الأقدمون تحدثوا مثل هذا الحديث عن التجديد، كيف إذن يعد بدعة، حين يضيء طريق المستقبل واتجاه التطور فيه؟
ونلامس في أحاديث الأقدمين وأفعالهم أن التجديد تغير وانتقال من حال إلى حال، تأثرا بعوامل مادية ومعنوية تتعرض لها الأحياء، ونتفق جميعا على هذا. ولكن حين يكون التجديد متلاقحا ومعضدا بمثل تشغيل الخولي الحذر البارع لمقولة التطور، فإن التجديد في هذه الحالة - التجديد التطوري ينفصل تماما عن تصور قديم له يحصره في مجرد إحياء ما اندثر، أو إعادة قديم كان، فالتجديد - كما يقول الخولي هو: «اهتداء إلى جديد كان بعد أن لم يكن، سواء أكان الاهتداء إلى هذا الجديد بطريق الأخذ من قديم كان موجودا، أم بطريق الاجتهاد في استخراج هذا الجديد بعد أن لم يكن.»
Bog aan la aqoon