فتلفت فجأة صوب الباب، فما كان أشد دهشتي إذ رأيت زوجي واقفا لديه، ولم نكن سمعنا حركته ولا وقع قدميه وهو قادم، ولم أدر كم لبث في موقفه.
واضطرب الغلامان من مباغتته هذه والغضبة الظاهرة على محياه ... فاستأذنا وانصرفا فجأة.
وما كاد الباب يغلق وراءهما حتى انطلق في فيض من الشتائم والسخرية المسمومة القاسية.
قال: إذن أنت ناوية أن تدنسي فراش الزوجية وتلوثي شرف الطفلة. وكانت تلك أخف سبابه وأهون شتائمه.
وحاولت الاحتجاج ولكن احتجاجاتي لم توقف تيار سبابه بل مضى يقول: لقد استطعت أن أبقي عليك شريفة عفة كل هذه السنين، فإذا بك اليوم تشاغلين الفتيان لأنهم من السذاجة والغفلة بحيث لا يعرفون أية شيطانة تكونين.
وكذلك طفق يرتع في عرضي كما شاءت له غيرته الحمقاء العمياء الحانقة.
وكانت أختي قد اعتزمت العودة إلى البلد في الأسبوع التالي، فأجمعت أمري على السفر معها لأقيم فترة من الدهر بجانب أهلي، وأستريح ردحا من غيرته وريبه، فلما نبأته بنيتي، قام بيننا شجار عنيف وأنذرني بأنه مغلق البيت وحابسي فيه إذا لم أنصع لحكمه.
ولم تكن هذه أول تهديدة من نوعها سمعتها من فمه، ولم أكاشفه بموعد سفري وتركته يمضي في ذات صبح إلى عمله فارتحلت في سكون وخلسة.
وفرح أهلي بمقدمي والطفلة، وكانت تلك أياما طيبة، نعمت فيها بمجالس وأصحاب وصواحب أعرفهم من زمان ويعرفونني، وفي دار إحدى الصواحب لقيت طبيبا أخصائيا في أمراض الأطفال، فلما رأى طفلتي ووفرة عافيتها، وامتلاء بدنها، أعجب بها الإعجاب كله، فراح يقول: لقد دلتني التجارب في صناعتي على أن الأطفال الأصحاء هم في الأغلب نتاج القران السعيد الذي يمسكه الحب وتغذية هناءة الزوجين، وقلما يرى المرء زيجات تعسة تثمر من الذراري ثمرات طيبة ناضجة.
ولم أكن إلى ذلك العهد أفضيت إلى أحد من خلق الله ببأساء عيشي وخيبة زواجي، فلما قامت الصداقة بيني وبين ذلك الطبيب الوديع، الكريم القلب، انتهزت فرصة زياراته لنا في ذات مساء فمضيت أقص عليه خافية عيشي، فلما انتهيت قال: أريد أن أعلم، ألا تزالين تحبين زوجك؟ قلت: أتسألني هل أحبه؟ لقد مضى علي زمان طويل أسائل نفسي فيه أبدا: أتراني أحببته يوما، ولا ريب في أنني لم أكن أشعر له بهذه العاطفة في ذلك الحين؛ إذ لو كنت أشعر بشيء من ذلك له لآلمني ذلك المسلك منه في حقي، ولكني لم أكن أحس من ذلك ألما، بل كنت مستخفة غير آبهة، وفي بعض الأحايين أروح أنظر إليه وهو ثائر متمرد حانق كأنما أنظر إلى ممثل يلعب دورا على المسرح.
Bog aan la aqoon