123

التصوير النبوي للقيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف

التصوير النبوي للقيم الخلقية والتشريعية في الحديث الشريف

Daabacaha

المكتبة الأزهرية للتراث

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Noocyada

الوقوف بعرفة في اليوم التاسع وليلة العاشر؛ فقد فاته الحج، للأحاديث الشريفة: "الحج عرفة"، "من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك" ووضح الحديث الشريف أسباب الأفضلية: "ينزل الله ﵎ إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي، جاءوني شعثًا غبرًا ضاحين، جاءوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي فلم ير أكثر عتيقًا من النار من يوم عرفة".
بلاغة التصوير الفني في التعبير عن مباهاة الله بالحجيج في يوم عرفة بصورة فنية بلغت القمة في بلاغة الأسلوب النبوي الشريف، فعبر عن قرب الله ﷿، وسرعة استجابته لهم، وقبول مناسك الحج ومشاعره، مع أنه موجود في كل الوجود، بنزوله إلى السماء الدنيا؛ فيباهي بهم الملائكة وغيرهم من العوالم الأخرى ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ معجبًا بعباده وهو يقول: "انظروا إلى عبادي" بإضافة عبوديتهم إليه، وهو أعظم تشريف للحجيج فقد رضي عنهم، وكذلك بلاغة التصوير الفني بالكناية عن اشتغالهم بمشاعر الحج صادقين في إتقان مناسكهم مخلصين، غير مهتمين بمظاهر الحياة والتفاخر بمتاع الحياة الدنيا، حتى طالت شعورهم وأظافرهم، واغبرت بالتراب والعرق أبدانهم وملابس إحرامهم، فلا يؤبه لهم وقد ضحوا في ذلك بأوطانهم وأهليهم وأصدقائهم، ومضحين بدماء النسك، وذبائح الهدي والأضحية كما في الحديث الشريف: "جاءوني شعثًا غبرًا ضاحين"، وكذلك بلاغة التصوير لقدوم الحجيج من كل حدب وصوب على سبيل الكناية المعجزة، التي اقتبسها النبي ﷺ من التصوير القرآني المعجز في سورة الحج: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾، وليس من كل فج بعيد، لأن العمق يدل على كروية الأرض حيث تكون

1 / 125