المطلب الثالث: القدرة والاستطاعة:
الاستطاعة والطاقة والقدرة والوسع ألفاظ متقاربة المعنى، وضدها العجز، عرفها المتكلمون بأنها: "صفة وجودية يتأتى معها الفعل بدلا عن الترك، والترك بدلا عن الفعل" (^١).
ومسألة الاستطاعة أو القدرة من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الفرق الإسلامية تبعا للخلاف الواقع في القدر فالذين قالوا بالجبر - وهم الجهمية ومن وافقهم - قالوا بنفي الاستطاعة لا مع الفعل ولا قبله وذلك لأن العبد عندهم لا اختيار له (^٢).
والذين قالوا بنفي القدر وأن العبد خالق لفعله - وهم المعتزلة ومن وافقهم - أثبتوا الاستطاعة قبل الفعل ونفوا أن تكون معه (^٣).
والذين قالوا بالكسب - وهم الأشاعرة ومن وافقهم - قالوا بأن الاستطاعة تكون مع الفعل لا قبله (^٤).
وأما جمهور الماتريدية فقد توسطوا في المسألة، فقالوا بإثبات الاستطاعة قبل الفعل ومعه، فقالوا بأن الاستطاعة تقع على نوعين:
الأولى: سلامة الأسباب والآلات وهي تتقدم الفعل.
الثانية: الاستطاعة التي يتهيأ بها الفعل وتكون مع الفعل.
قال الماتريدي: "الأصل عندنا في المسمى باسم القدرة أنها على قسمين: أحدهما: سلامة الأسباب وصحة الآلات وهي تتقدم الأفعال.
والثاني: معنى لا يقدر على تبين حده بشيء يصار إليه سوى أنه ليس إلا للفعل لا يجوز وجوده بحال إلا ويقع به الفعل عندما يقع معه" (^٥).
(^١) المواقف: ٢/ ٢٢٩، وانظر: المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي: ١٢٧، التعريفات للجرجاني: ٣٥. (^٢) الملل والنحل: ٣٦، مقالات الإسلاميين: ١/ ٣١٢، الفرق بين الفرق: ١٢٨،، التبصير في الدين: ٩٦، أصول الدين للبغدادي: ٣٣٣. (^٣) مقالات الإسلاميين: ١/ ٣٠٠، شرح الأصول الخمسة: ٣٩٠. (^٤) الإنصاف: ٤٦، التمهيد للباقلاني: ٣٢٣ - ٣٢٥، محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين: ١٥٢. (^٥) التوحيد: ٢٥٦، ٢٥٧.
1 / 56