Jarmalka Naasiga
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
Noocyada
ومما تجدر ملاحظته أن «فالمي» لم تحاول معالجة شتى الأمور التي تتناولها بالأسلوب الجدي الذي يتطلب من القارئ إعمال الفكر وكد الذهن، كما أنها امتنعت عن إثارة الموضوعات الجدلية التي قد تعطي للألمان فرصة الرد ومحاولة الإقناع. فقد فطن محرروها إلى أن أمضى سلاح يستخدمونه ضد السادة النازيين إنما هو سلاح التهكم والسخرية والنقد اللاذع الذي يذهب بهيبة سلطات الاحتلال الألمانية، ويحطم ما يكون قد رسخ في أذهان الباريسيين الذين أذهلهم انهيار بلادهم بهذه السرعة الخاطفة، من أن النصر لا يمكن أن يفلت من قبضة الآلهة النازيين، وأن أحدا لن يجرؤ على نقدهم أو مقاومتهم. وفي الواقع ظلت«فالمي» تقض مضاجع الألمان مدة طويلة، وصار لا يهدأ لهم بال حتى يقبضوا على أصحابها وموزيعها، ومن ثم أحكم رجال الجستابو رقابتهم، وضاعفوا نشاطهم حتى استطاعوا في نهاية الأمر أن يعثروا على مكانها الجديد. ولكن صاحبها «بول سيمون» تمكن في اللحظة الأخيرة من الإفلات من قبضتهم، ونجا بنفسه عبر الحدود، قبل أن يطبق عليه الجستابو شبكتهم الحديدية، ثم اتخذ مقره في لندن يعمل مع جماعة الفرنسيين الأحرار في إنجلترا.
غير أن فرار بول سيمون لم يكن معناه نجاح النازيين في إخماد حركة الصحف السرية في فرنسا. ومع أن هؤلاء بدءوا يتشددون في مراقبة جميع العناصر المعادية في هذه البلاد منذ شهر ديسمبر1941، فإن الصحف السرية والمنشورات والرسائل الصغيرة وما إليها سرعان ما انتشرت انتشارا كبيرا حتى بلغ عدد النشرات الإخبارية السرية في تلك الآونة حوالي العشرين. ولم تكن «فالمي» الصحيفة الوحيدة التي صدرت منذ أيام الاحتلال الأولى؛ لأن صدورها ونجاة صاحبها سرعان ما أفضيا إلى ظهور صحيفتين أخريين: هما «بنتاجرول
» وهو اسم البطل الذي أوجده خيال «رابليه» أحد أعلام الأدب الفرنسي القدماء - و«ريزيستانس
Resistance » - أي المقاومة، وقد تبع ظهور هاتين الصحيفتين، إصدار صحف سرية أخرى، منها: «فرنسا الحرة
La France Libre » «صوت باريس
La Voix de Paris »، و«شعب فرنسا
»، و«النضال
Combat »، وغير ذلك.
ومما هو جدير بالذكر أن الأطباء في فرنسا «قبل عام 1943» أصدروا صحيفة علمية طبية، ظلت تعنى بجمع الحقائق التي تساعد على معرفة مبلغ الأثر السيئ الذي أحدثه الاحتلال الألماني وتطبيق النظام الجديد النازي في صحة الأهلين. وقد وصلت هذه الصحيفة السرية إلى نتائج معينة في هذا الموضوع: أهمها؛ أن عدة أمراض ناجمة عن سوء التغذية وقلتها مثل «الأنيميا وضعف الأعصاب وهكذا» صارت تفتك بالأهلين حتى بات متوسط الوزن الذي يفقده الشخص العادي ثلاثة كيلو جرامات في الشهر الواحد.
ولم يكن الوطنيون وحدهم هم الذين أصدروا هذه الصحف السرية، بل اشترك معهم في ذلك أيضا الشيوعيون، وكان لهؤلاء قبل الحرب الأخيرة صحيفة تدعى «الإنسانية
Bog aan la aqoon