اللقاء الشهري
اللقاء الشهري
Noocyada
تفسير قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا)
قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ﴾ [ق:٩-١٠] (نزلنا) قال علماء اللغة: هناك فرق بين أنزلنا ونزَّلنا وإن كان بعضهما قد يستعمل في مكان الآخر، لكن الفرق الأول أو الأصل: أن التنزيل يكون شيئًا فشيئًا، والإنزال يكون دفعة واحدة، المطر ينزل من السماء شيئًا فشيئًا: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا﴾ [ق:٩] والسماء هنا بمعنى العلو، وليس المراد السماء التي هي السقف المحفوظ الذي فوق الأرض، بل المراد به العلو، لأن المطر ينزل من السحاب، والسحاب ليس السماء بل السحاب في العلو، والدليل على أن الماء ينزل من السحاب قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ﴾ [الروم:٤٨]، وقال ﷾: ﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) [البقرة:١٦٤] قد يفهم بعض الناس أن المطر ينزل من السماء العليا على السحاب ثم من السحاب على الأرض وليس الأمر كذلك، المطر من السحاب نفسه، قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا﴾ [النبأ:١٤] المعصرات هي السحاب فكأنها تعصر الماء كما تعصر الثوب، فيتساقط المطر منها، فهنا يقول: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ﴾ [ق:٩] أي: من السحاب الذي هو في العلو.
﴿مَاءً مُبَارَكًا﴾ [ق:٩] وهو المطر، ومن بركته: أن الله يحيي به الأرض بعد موتها.
ومن بركته: أن الله يحفظه في الأرض لنشربه ونسقي به بهائمنا، قال الله ﵎: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة:٦٨-٧٠] وبين في آيةٍ أخرى أنه يخزنه في الأرض فيسلكه ينابيع، متى شئنا حفرنا فوجدنا الماء، ولو كان هذا المطر على ظهر الأرض لم تشربه الأرض؛ لتبخر بسرعة ولأفسد الهواء، ولحجب الناس دون مصلحة الأرض من النبات، ولكن الله تعالى جعل الأرض تبتلعه ويخزن فيها إلى الوقت الذي نحتاجه فنستخرجه.
قال الله ﷿: ﴿مَاءً مُبَارَكًا﴾ [ق:٩] ومن بركته ما يحصل به من العظة في قدرة الله ﷿؛ لأن الإنسان العاقل يقول: كيف ينزل هذا المطر من هذا السحاب الذي إذا رأيته كأنما ترى قطعًا من القطن، ولكن ربنا ﷿ على كل شيء قدير، وينبغي إذا نزل المطر أن يقول الإنسان: (اللهم صيبًا نافعًا) يدعو الله بأن يكون صيبًا نافعًا؛ لأن المطر ربما ينزل ولا ينفع، كما قال النبي ﵊ فيما صح عنه: (ليست السنة ألا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا) (ليس السنة) أي: ليس الجدب أن لا تمطروا، ولكن أن تمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا، وصدق النبي ﵌.
وينبغي أيضًا إذا نزل المطر أن يحسر الإنسان عن ثوبه حتى يصيبه من المطر؛ لأن النبي ﵌ كان يفعل ذلك، فسئل: لماذا تحسر عن ثوبك حتى يصيب المطر بدنك؟ قال: (لأنه حديث عهد بربه) الله أكبر؛ لأنه مخلوق فهو حديث عهد بالله ﷿.
وينبغي عند المطر أن يخرج الإنسان إذا شاء إلى الوادي فيتطهر بالمطر كما يفعله الناس اليوم، يخرجون بعد المطر إلى الأودية فيتطهرون منه، لكن أكثر الناس لا يحس بذلك الشيء، يخرج من أجل النزهة فقط، والذي ينبغي أن تخرج من أجل أن تتطهر به؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان:٤٨] أي: طاهرًا في ذاته مطهرًا لغيره.
قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ﴾ [ق:٩-١٠] (جنات) أي: أشجارًا كبيرة كثيرة ملتف بعضها إلى بعض، تجن من كان بداخلها، أي: تستره.
(وحب الحصيد) أي: الزرع الذي يحصد وينتفع الناس به، فهذا المطر يخلق الله به الأشجار ويخرج به الزروع.
6 / 6