128
تفسير قوله تعالى: (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ قال تعالى: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ [ق:٧] (الأرض مددناها) أي: جعلناها ممتدة صالحة للسكنى عليها، ليست منحنية إنحناءً يخل بالسكنى عليها ولكنها ممتدة، وهذا الامتداد غير الامتداد المذكور في قوله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ [الانشقاق:١-٤]؛ لأن الامتداد الثاني الذي يكون يوم القيامة امتداد تبسط فيه الأرض، وتمد مد الأديم (أي: الجلد) وليست كرة -كما هي الآن عليه- بل تمتد مدًا واحدًا وتزال الجبال والأشجار والأودية فيذرها الله: ﴿قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾ [طه:١٠٦-١٠٧] . ﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ [ق:٧] أي: وضعنا فيها رواسي وهي: الجبال، كما قال تعالى: ﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ [المرسلات:٣٢] هذه الجبال وصفها الله تعالى بأنها مرساة، ووصفها في موضع آخر بأنها أوتاد. قال علماء الجولوجيا: إن هذه الجبال لها جذور في داخل الأرض كما أن الوتد في الجدار له جذور تمسكه، وهذه الجبال راسية لا تزعزعها الرياح مهما عصفت، والله ﷿ خلقها لمصالح عظيمة، منها: ١- حماية الأرض من الميدان، قال تعالى: ﴿وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل:١٥] . ٢- أنها تحمي من وراءها من الرياح العاتية والبرودة القارسة كما هو مشاهد في سفوح الجبال. ٣- أن في الجبال من الأشجار الجبلية ما لا ينبت في الصحراء. ٤- أن في قمم الجبال من المعادن الثمينة القوية ما ليس في أسفل كما يعرف ذلك علماء طبيعة الأرض، ولهذا قال: ﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ [ق:٧] قوله تعالى: ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ [ق:٧-٨] أنبتنا في الأرض من كل زوج، والزوج هنا بمعنى الصنف، كما قال تعالى: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص:٥٨] أي: أصناف، وقال: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾ [الصافات:٢٢] أي: أصنافهم، فالزوج الصنف، والبهيج الذي يبهج النفس ويسر القلب. واخرج إلى الأرض، إلى الأودية، إلى الرياض الناظرة في أيام الربيع، تجد من أصناف النبات ما يدل على قدرة الله ﷿ وما يبهجك، تجد هذا أخضر، وهذا يميل إلى السواد أكثر، وهذه الزهور بعضها حمراء، وبعضها زرقاء، وبعضها بيضاء، مختلفة متنوعة تدل على كمال قدرة الله ﷿.

6 / 4