Allah, Koonka iyo Aadanaha
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Noocyada
إنه السمة الأولى المشتركة بين عقائد التوحيد، ولكي نتعرف على خصائصه من الأفضل لنا أن نفعل ذلك في سياق مقارن؛ ذلك أن تاريخ الأديان يطلعنا على ثلاثة أنماط للتاريخ المقدس وهي: (1) التاريخ المفتوح الذي وصفته بالسكوني. (2) التاريخ الدوري الذي يتحرك بشكل دائري، وفي نهاية كل دورة يفنى الكون ليعود إلى التشكل من جديد. (3) التاريخ الدينامي.
تقدم لنا ديانة بلاد الرافدين النموذج الأمثل على مفهوم التاريخ المفتوح؛ حيث نستطيع تمييز أربع مراحل للتاريخ المقدس وهي: (1) السرمدية الكامنة عندما كانت الألوهة منكفئة على نفسها. (2) الزمن الكوزموغوني؛ أي زمن الخلق والتكوين. (3) زمن الأصول والتنظيم عندما قام الآلهة بالفعاليات المبدعة عند جذور التاريخ. (4) زمن البشر المفتوح على اللانهائية؛ فزمن الأصول والتنظيم ينتهي بخلق الإنسان لكي يحمل عبء العمل عن الآلهة، ويؤمن لها طعاما بعد أن كانت تكد وتشقى في سبيل ذلك، على ما أوردته في حديث سابق؛ فالإنسان خلق لكي يخدم الآلهة، والعلاقة بين الطرفين تبقى علاقة السيد والعبد، والآلهة خالدة والإنسان فان، وليس لديه أي أمل في التفكير بالخلاص من شرطه الأرضي ومشاركة الآلهة في نعمة الخلود؛ ولذا فإن أفضل ما يصبو إليه في حياته الأرضية هو تحقيق اللذائذ الحياتية الصغيرة خلال عمر ينتهي به إلى العالم الأسفل الذي تهبط إليه أرواح البشر بعد الموت؛ حيث تعيش في وجود شبحي لا نكهة له ولا طعم، لا فرق في ذلك بين أمير وفقير، وبين من قدم حسنة ومن قدم سيئة. في ظل مثل هذه الصيغة للعلاقة بين الآلهة والبشر تبقى الرابطة الوحيدة بينهم هي رابطة الطقوس والشعائر التي يقوم الإنسان من خلالها باستمالة آلهته وحثها على اتخاذ مواقف إيجابية منه؛ لأنها تصنع الخير مثلما تصنع الشر، وليس بمقدور الإنسان أن يتنبأ بردود أفعالها. (س):
هل هذا يعني أن الأخلاق لم تكن ذات شأن في ديانة وادي الرافدين؟ (ج):
ليس تماما، ولكن الآلهة الرافدينية لم تستن شرائع أخلاقية لعبادها يتوجب عليهم اتباعها، وترك المجتمع يسير شئونه الاجتماعية بنفسه ويتعامل أفراده وفق أخلاقيات متعارف عليها ومؤسسة منذ القدم، وكان الحكماء يعيدون صقل هذه الأخلاقيات ويذكرون الناس بها. وهذا ما نراه في نصوص الحكمة التي تحفل بها أدبيات وادي الرافدين، وأهم ما يميز هذه النصوص أنها لم تكن تجري على لسان كهان مرسومين ينطقون بها وحيا من السماء، بل على لسان حكماء خبروا الحياة، وأفادوا من عبرها وعرفوا مسالك الحق والباطل. (س):
أي إن الأخلاق كانت من طبيعة دنيوية وليس من طبيعة سماوية! (ج):
هذا صحيح، ولكن الآلهة قد تثيب على العمل الصالح الذي يبذله الإنسان، ولكن في هذه الدنيا وليس في عالم آخر قادم؛ ففكرة العالم الآخر هنا غير موجودة، ولا وجود إلا لهذا العالم، وما من خطة إلهية لإصلاحه أو تطهيره أو تحويله إلى عالم أسمى وأرقى؛ ولذلك فإن فكرة نهاية العالم وما يصحبها من قيامة عامة للموتى، ومن حساب وثواب وعقاب غير موجودة، وتاريخ الإنسان والعالم مفتوح ودونما نهاية منظورة؛ ولهذا وصفته بالسكوني. (س):
وهل تنطبق هذه الرؤية للتاريخ على بقية أديان الشرق القديم، أم أنها خاصة بالدين الرافديني؟ (ج):
هذه هي الرؤية المشرقية للتاريخ والرؤية الإغريقية الرسمية أيضا. (س):
ولكننا نجد في الميثولوجيا المصرية مشاهد لحساب الموتى أمام ميزان الأعمال، وإشارات نصية إلى جنات الإله أوزوريس التي يتوجه إليها الصالحون بعد الحساب. (ج):
في حديثنا عن قيامة الموتى علينا أن نميز بين قيامتين؛ الأولى قيامة فردية يختبرها كل فرد بعد الموت، والثانية قيامة عامة لكل الموتى منذ آدم وحتى اليوم الأخير. والميثولوجيا المصرية تتحدث عن القيامة الفردية، ولا يوجد في الديانة المصرية فكرة عن القيامة العامة ونهاية العالم. وكذلك الحال في عبادة الأسرار الإغريقية التي تؤمن بتحرر الروح الفردية وانعتاقها إلى عالم أفضل مع غياب تام لفكرة نهاية التاريخ. (س):
Bog aan la aqoon