472

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

Daabacaha

دار القلم

Daabacaad

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

Goobta Daabacaadda

بيروت - لبنان

Noocyada

٥ ومن فوائد الآية: أن من نكث بعهد الله فإنه يعاقب بحرمانه ما رتب الله تعالى على الوفاء بالعهد؛ وذلك؛ لأن المنطوق في الآية أن من وفى لله وفّى الله له؛ فيكون المفهوم أن من لم يفِ فإنه يعاقب، ولا يعطى ما وُعِد به؛ وهذا مقتضى عدل الله ﷿.
٦ ومنها: وجوب الوفاء بالنذر؛ لأن الناذر معاهد لله، كما قال تعالى: ﴿ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين﴾ [التوبة: ٧٥].
٧ ومنها: وجوب إخلاص الرهبة لله ﷿؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾] البقرة: من الآية ٤٠].
٨ ومنها: أن الرهبة عبادة؛ لأن الله تعالى أمر بها، وأمر بإخلاصها.
فإن قال قائل: هل ينافي التوحيد أن يخاف الإنسان من سبُع، أو من عدو؟
فالجواب: لا ينافي هذا التوحيد؛ ولهذا وقع من الرسل: إبراهيم. ﵊. لما جاءه الضيوف، ولم يأكلوا أوجس منهم خيفة؛ وموسى. ﵊. لما ألقى السحرة حبالهم، وعصيهم أوجس في نفسه خيفة؛ ولأن الخوف الطبيعي مما تقتضيه الطبيعة؛ ولو قلنا لإنسان: "إنك إذا خفت من أحد سوى الله خوفًا طبيعيًا لكنت مشركًا"، لكان هذا من تكليف ما لا يطاق؛ لأن خوف الإنسان مما يخاف منه خوفٌ طبيعي غريزي لا يمكنه دفعه؛ كل إنسان يخاف مما يُخشى منه الضرر.
فإن قال قائل: لو منعه الخوف من واجب عليه هل يُنهى عنه، أو لا؟
فالجواب: نعم، يُنهى عنه؛ لأن الواجب عليه يستطيع أن يقوم به؛ إلا إذا جاء الشرع بالعفو عنه في هذه الحال فلا حرج عليه في هذا الخوف؛ قال الله تعالى: ﴿إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين﴾ [آل عمران: ١٧٥]؛ لكن إذا كان في الشرع رخصة لك أن تخالف ما أمر الله به في هذه الحال فلا بأس؛ ولهذا لو كان إنسان يريد أن يصلي صلاة الفريضة، وحوله جدار قصير، ويخشى إن قام أن يتبين للعدو؛ فله أن يصلي قاعدًا؛ وهذا لأن الله تعالى عفا عنه: قال الله تعالى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ [التغابن: ١٦]؛ ولو كان العدو أكثر من مثلَي المسلمين فلا يلزمهم أن يصابروهم، ويجوز أن يفروا.
القرآن
﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)﴾ [البقرة: ٤١]
التفسير:
وآمنوا- يا بني إسرائيل- بالقرآن الذي أنزَلْتُه على محمد نبي الله ورسوله، موافقًا لما تعلمونه من صحيح التوراة، ولا تكونوا أول فريق من أهل الكتاب يكفر به، ولا تستبدلوا بآياتي ثمنًا قليلا من حطام الدنيا الزائل، وإياي وحدي خافوني في ذلك فاعملوا بطاعتي واتركوا معصيتي.
في سبب نزول الآية قولان:
أحدهما: "أنها أنلت في يهود يثرب" (١). قاله أبو سنان.
والثاني: أنها: "نزلت في قريظة، وكانوا أول من كفر من اليهود بمحمد، وتبعهم يهود فدك (٢) وخيبر" (٣). نقله الكلبي عن ابن عباس.
قوله تعالى: ﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ﴾ [البقرة: ٤١]، أي: وصدّقوا بالذي أنزل على محمد ﷺ من القرآن (٤).

(١) تفسير ابن أبي حاتم (٤٤٨): ص ١/ ٩٧.
وقد ذكر السمهودي بأن قبائل اليهود في يثرب كانوا نيفًا وعشرين قبيلة، منهم بنو عكرمة وبنو ثعلبة وبنو محمر وبنو زعورا وبنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة وبنو هدل وبنو عوف وبنو القصيص وبنو ماسلة، سكن هؤلاء المدينة وأطرافها. [أنظر: وفاء الوفاء بأخبار، دار المصطفى: ١/ ١٤٢، والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: ١٢/ ٩٥].
(٢) فدك: "معروفة بينها وبين المدينة يومان، وحصنها يقال له: الشمروخ، بقرب خبير". [الروض المعطار في خبر الأقطار: ٤٣٧].
(٣) العجاب في بيان الأسباب: ١/ ٢٥١. لم أجد هذا في "تنوير المقباس من تفسير ابن عباس" للفيروزآبادي، مع أن المذكور أنه جمع فيه رواية الكلبي عن ابن عباس انظر "تاريخ التفسير" للشيخ قاسم القيسي "ص ١٣٥"، وكذلك فإن السند الذي ذكر في المقدمة ينتهي إليه انظر "ص ٢"، وقد رجعت إليه في البحث عن عدد من النصوص المنقولة هنا عن الكلبي فلم أجدها أو لم يتطابق النصان فلن أشير إليه بعد. [حاشية العجاب: ١/ ٢٥١].
(٤) أنظر: تفسير الطبري: ١/ ٥٦٠، وتفسير ابن كثير: ١/ ٢٤٢.

2 / 215