470

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

Daabacaha

دار القلم

Daabacaad

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

Goobta Daabacaadda

بيروت - لبنان

Noocyada

قال ابن عثيمين: " وهو الجزاء على أعمالهم، المذكور في قوله تعالى: ﴿لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ [المائدة: ١٢]؛ فلو وفوا بعهد الله لوفى الله بعهدهم" (١).
وقرأ الزهري: " ﴿أوَفّ﴾، بفتح الواو وشد الفاء، للتكثير" (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠]، قال أبو عبيد عن الكسائي وأبي عبيدة: "وفيت بالعهد وأوفيت به سواء" (٣).
وقال شمر: (وفى): يعني تمّ، وأوفى، معناه: أوفاني حقه، أي: أتمه ولم ينقص منه شيئا، وكذلك أوفى الكيل، أي: أتمه ولم ينقص منه شيئا (٤).
وقال أبو الهيثم: فيما رد على شمر: "الذي قال شمر في (وَفَى) و(أَوْفَى): باطل، إنما يقال: أَوْفَيْت بالعهد ووفيت بالعهد، وكل شيء في كتاب الله من هذا فهو بالألف قال الله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠]، وقال: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] " (٥).
وقد قال طفيل الغنوي في الجمع بين اللغتين (٦):
أَمَّا ابنُ طَوْقٍ فَقَدْ أَوْفَى بِذِمَّتِه ... كَمَا وَفَى بِقِلاصِ النَّجْمِ حَادِيهَا
واختلف أهل المعرفة في معنى العهد الذي وصف الله هؤلاء بنقضه، وفيه أربعة (٧):
أحدها: أنه وصية الله إلى خلقه، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته، في كتبه وعلى لسان رسوله ﷺ. ونقضُهم ذلك، تركُهم العمل به.
والثاني: أن عهدُ الله الذي نقضوه بعدَ ميثاقه، هو ما أخذه الله عليهم في التوراة - منَ العمل بما فيها، واتباع محمد ﷺ إذا بُعث، والتصديق به وبما جاء به من عند ربهم، ونقضُهم ذلك، هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته، وإنكارهم ذلك، وكتمانهم علمَ ذلك الناسَ، بعد إعطائهم اللهَ من أنفسهم الميثاق لَيُبَيِّنُنَّه للناس ولا يكتمونه. فأخبر الله جل ثناؤه أنهم نبذوه ورَاء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلا. قاله ابن عباس (٨)، وروي عن الربيع بن أنس (٩)، وأبي العالية (١٠)، والضحاك (١١)، والسدي (١٢)، وقتادة" (١٣)، نحو ذلك.
والثالث: أن عهدُه: توحيده، وهو موجه إلى جميعَ أهل الشرك والكفر والنفاق.
والرابع: أن العهدُ الذي ذكره الله جل ذكره، هو العهدُ الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صُلب آدم، الذي وصفه في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [سورة الأعراف: ١٧٢ - ١٧٣]. ونقضُهم ذلك، تركهم الوفاء به.

(١) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٤٣.
(٢) المحرر الوجيز: ١/ ١٣٤.
(٣) "تهذيب اللغة" (وفا) ٤/ ٣٩٢٣ - ٣٩٢٤، وانظر: "اللسان" (وفي) ٨/ ٥٨٨٥.
(٤) أنظر: تهذيب اللغة" (وفا) ٤/ ٣٩٢٤، وانظر: "اللسان" (وفي) ٨/ ٥٨٨٥.
(٥) أنظر كلامه في: تهذيب اللغة: (وفا) ١٥/ ٨٨٦، وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩١، و"اللسان" (وفى) ٨/ ٤٨٨٤.
(٦) في "الكامل" (بيض) بدل (طوق) وعند الزجاج (عوف) وهو رجل شهر بالوفاء، وقلاص النجوم: هي كما تزعم العرب، أن الدبران جاء خاطبا للثريا وساق مهرها كواكبا صغارا تسمى القلاص، انظر (الكامل) ٢/ ١٨٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩١، "الخصائص" ١/ ٣٧٠، ٣/ ٣١٦، "شرح المفصل" ١/ ٤٢، "اللسان" (وفى) ٨/ ٤٨٨٤، "زاد المسير" ١/ ٧٣، "تفسير القرطبي" ٦/ ٣٢، "الدر المصون" ١/ ٣١٢.
(٧) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٤١١ - ٤١٢. وتفسير القرطبي: ١/ ٣٣٢.
(٨) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٣٧)، و(٤٣٨): ص ١/ ٩٥، وتفسير الطبري (٨٠٥): ص ١/ ٥٥٨.
(٩) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٩٥، من رواية حاتم ابن إسماعيل عن أبي جعفر.
(١٠) أنظر: تفسير الطبري (٨٠٦): ص ١/ ٥٥٨.
(١١) أنظر: تفسير الطبري (٨٠٩): ص ١/ ٥٥٩.
(١٢) أنظر: تفسير الطبري (٨٠٧): ص ١/ ٥٥٨.
(١٣) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٩٥.

2 / 213