387

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

Daabacaha

دار القلم

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

Goobta Daabacaadda

بيروت - لبنان

Noocyada

مسألة:
إذا قال قائل: ما وجه الإعجاز في القرآن؟ وكيف أعجز البشر؟ .
الجواب: أنه معجز بجميع وجوه الإعجاز؛ لأنه كلام الله، وفيه من وجوه الإعجاز ما لا يدرك؛ فمن ذلك: .
أولًا: قوة الأسلوب، وجماله؛ والبلاغة، والفصاحة؛ وعدم الملل في قراءته؛ فالإنسان يقرأ القرآن صباحًا، ومساءً. وربما يختمه في اليومين، والثلاثة. ولا يمله إطلاقًا؛ لكن لو كرر متنًا من المتون كما يكرر القرآن ملّ.
ثانيًا: أنه معجز بحيث إن الإنسان كلما قرأه بتدبر ظهر له بالقراءة الثانية ما لم يظهر له بالقراءة الأولى.
ثالثًا: صدق أخباره بحيث يشهد لها الواقع؛ وكمال أحكامه التي تتضمن مصالح الدنيا، والآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلًا﴾ (الأنعام: ١١٥)
رابعًا: تأثيره على القلوب، والمناهج؛ وآثاره، حيث ملك به السلف الصالح مشارق الأرض، ومغاربها.
وأما كيفية الإعجاز فهي تحدي الجن، والإنس على أن يأتوا بمثله، ولم يستطيعوا.
مسأل. ثانية:
حكى الله ﷿ عن الأنبياء، والرسل، ومن عاندهم أقوالًا؛ وهذه الحكاية تحكي قول من حُكيت عنه؛ فهل يكون قول هؤلاء معجزًا. يعني مثلًا: فرعون قال لموسى: ﴿لئن اتخذت إلهًا غيري لأجعلنك من المسجونين﴾ [الشعراء: ٢٩]: هذا يحكيه الله ﷿ عن فرعون؛ فيكون القول قول فرعون؛ فكيف كان قول فرعون معجزًا والإعجاز إنما هو قول الله ﷿؟
فالجواب: أن الله تعالى لم يحك كلامهم بلفظه؛ بل معناه؛ فصار المقروء في القرآن كلام الله ﷿. وهو معجز.
القرآن
﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٥)﴾ [البقرة: ٢٥]
التفسير:
وبشر -أيها الرسول- الذين آمنوا بالله وبمحمد ﷺ، وبما جاء به من عند ربه، وصدقوا إيمانهم ذلك وإقرارهم بأعمالهم الصالحة من واجبات ومستحبات، أن لهم جنات تجري من تحت أشجارها أنهار، كلما أعطوا عطاء ورزقوا رزقًا من ثمار الجنة قالوا قد رَزَقَنا الله هذا النوع من قبل، فإذا ذاقوه وجدوه شيئًا جديدًا في طعمه ولذته، وإن تشابه مع سابقه في اللون والمنظر والاسم، ولهم في الجنَّات زوجات مطهَّرات.
قال ابن كثير: " لما ذكر تعالى ما أعده لأعدائه من الأشقياء الكافرين به وبرسله من العذاب والنكال، عَطف بذكر حال أوليائه من السعداء المؤمنين به وبرسله، الذين صَدَّقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة، وهذا معنى تسمية القرآن "مثاني" على أصح أقوال العلماء. وهو أن يذكر الإيمان ويتبعه بذكر الكفر، أو عكسه، أو حال السعداء ثم الأشقياء، أو عكسه. وحاصله ذكر الشيء ومقابله. وأما ذكر الشيء ونظيره فذاك التشابه" (١).
قال الزمخشري: " من عادته ﷿ في كتابه أن يذكر الترغيب مع الترهيب، ويشفع البشارة بالإنذار إرادة التنشيط، لاكتساب ما يزلف، والتثبيط عن اقتراف ما يتلف. فلما ذكر الكفار وأعمالهم وأوعدهم بالعقاب، قفاه ببشارة عباده الذين جمعوا بين التصديق والأعمال الصالحة من فعل الطاعات وترك المعاصي، وحموها من الإحباط بالكفر والكبائر بالثواب" (٢).
قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢٥]، أي: "وأخبر" (٣) يا محمد الذين آمنوا.
قال الصابوني: " أي وبَشِّرْ يا محمد المؤمنين المتقين" (٤).

(١) تفسير ابن كثير: ١/ ٢٠٣.
(٢) تفسير الكشاف: ١/ ١٠٤.
(٣) تفسير الطبري: ١/ ٣٨٤.
(٤) صفوة التفاسير: ١/ ٣٦.

2 / 127