الوجه الثاني: أن هذا الكلام في العقود بصفةٍ عامة، والأصلُ بقاء العموم على عمومهِ ما لم يرِدْ مخصِّص، وقد وردَ المخصِّص في صحَّة ولاية المتغلب - كما سبق إيرادُ الأدلة والإجماع (^١) -.
الوجه الثالث: أن درءَ المفسدة الكبرى بالصغرى هو عينُ القياس الصحيح، وهذا الذي من أجله صحَّحت الشريعةُ بيعة المتغلِّب مع عدم وجود الرضا؛ بخلاف البيع والشراء ولو في شيء يسير.
الشبهة الحادية والعشرون:
إذا كان الله ﷿ الذي أوجبَ طاعته على العباد لم يرضَ إجبارَهُم ولا إكراهَهُم على طاعته؛ حتى قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: ٢٥٦]، فكيف يُتصوَّرُ جواز عقد الإمامة - التي تقتضي الطاعة للإمام - دون رضا الأمة، وإكراهها على عقدهِ ثم التزامها بمقتضاه تحت الإكراه؟!
وكشف هذه الشبهة من أوجه:
الوجه الأول: أن غاية هذا الاستدلال أنه استدلال بالقياس، والقياسُ إذا خالفَ النصَّ صار قياسًا فاسدًا.
الوجه الثاني: أن العلماء مختلفون في توجيه هذه الآية ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، فقيل: إنها خاصَّة بأهل الكتاب لأنه يجوز أخذُ الجزية منهم، كما قال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾