Hal-xiraale Taariikheed oo Mucjiso leh
ألغاز تاريخية محيرة: بحث مثير في أكثر الأحداث غموضا على مر الزمن
Noocyada
واجه إيفانز اتهاما من منتقديه بخلق نسخة للتاريخ أشبه ببطاقة بريدية. فقد جادلوا بأنه عاد غير ممكن تحديد قدر ما اكتشفه من الحضارة المينوسية وقدر ما ابتكره. وبالمعايير الأثرية اللاحقة، كان منتقدو إيفانز على حق بلا شك؛ فما من عالم آثار اليوم كان ليسمح بأية عمليات ترميم على الموقع الفعلي لأي تنقيب. ولكن إنصافا لإيفانز، ينبغي أن نضيف أنه كان أكثر حرصا بكثير بشأن الحفاظ على سجل دقيق ومصور لما وجده مقارنة بالعديد من معاصريه. ورغم ما قد يلقاه المنتقدون من غضاضة في الاعتراف بهذا، فإنه قام أيضا بخلق موقع غاية في الإثارة، حتى إن الزائرين منذ ذلك الحين لم يعد يسعهم سوى مشاركته شغفه بالمينوسيين. •••
برزت مشكلة أكثر جوهرية بالنسبة إلى رؤية إيفانز للتاريخ اليوناني عندما قام علماء آثار آخرون - على رأسهم آلان ويس في عشرينيات القرن العشرين، وكارل بليجن في الثلاثينيات من القرن نفسه - بالتنقيب عن مواقع على البر الرئيسي اليوناني. وهناك وجدوا دليلا على وجود ثقافة كانت في طور الازدهار في نفس وقت حكم المينوسيين لكريت. كانت هذه الحضارة «المسينية» مستقلة بشكل واضح عن المينوسيين، ولها على الأقل نفس القدر من القوة والنفوذ، إن لم تكن بنفس القدر من الرقي كجاراتها في الجنوب. وذهب ويس وبليجن إلى أن المسينيين ربما يكونون بالفعل قد هزموا المينوسيين وتولوا زمام كنوسوس، على الأرجح بعد عام 1500 قبل الميلاد.
وبشكل ما، بدا ذلك تأكيدا إضافيا على وجود بعض الأساس لأسطورة ثيسيوس في التاريخ. فقد كان الأثينيون، شأنهم شأن المسينيين، يونانيين؛ ومن ثم يمكن أن يكون انتصار ثيسيوس رمزا لمعركة فعلية ما أو سلسلة من المعارك التي انتصر خلالها اليونانيون المسينيون على الكريتيين المستبدين. غير أن إيفانز لم يكن ليقتنع بأي من ذلك. فقد كان على قناعة شديدة بتفوق وأفضلية المينوسيين، لدرجة أنه أصر على أن الكوارث الطبيعية فحسب - ربما زلزالا - هي القادرة على إنهاء حكمهم. ولو أن بعضا من مثل هذه الكوارث مكنت المسينيين من إزاحة المينوسيين من كنوسوس، لظل إيفانز متأكدا من أن القوة العسكرية للمسينيين، وليس ثقافتهم، هي التي كان لها اليد العليا.
بات موقف إيفانز يواجه صعوبة متزايدة بعد عام 1939، حين اكتشف بليجن، الذي كان لا يزال ينقب على البر الرئيسي، المزيد من الألواح الطينية المكتوبة بالكتابة الخطية «ب»، وهي نفس الأبجدية التي وجدها إيفانز في كنوسوس. صحيح أن الاكتشاف ربما يكون قد فسر ليعني أن المينوسيين قد جلبوا كتابتهم إلى الشمال وقدموها لليونانيين، ولكنه أيضا زاد من احتمالية أن تكون الكتابة الخطية «ب» - والكتابة بشكل عام - اختراعا مسينيا وليس مينوسيا.
توفي إيفانز عام 1941 دون أن يعرف مطلقا ما كان مكتوبا على ألواحه الثمينة. وبعد أحد عشر عاما، تمكن أخيرا مايكل ونتريس - وهو عالم هاو في فك الشفرة يستخدم التقنيات التي اخترعت خلال الحرب العالمية الثانية - من فك الشفرة. كانت الكلمات المكتوبة على اللوح تصيب بخيبة أمل أو إحباط؛ فلم تكن شعرا عظيما أو فلسفة رائعة، بل كانت في أغلبها قوائم من السلع التي كانت مخزنة في كنوسوس وأماكن أخرى. ولكن اكتشاف ونتريس كان في غاية الأهمية؛ إذ اتضح أن الكتابة الخطية «ب» كانت نظاما لكتابة اللغة اليونانية؛ وبالطبع كانت يونانية قديمة وصعبة، ولكنها يونانية على أي حال.
كان هذا يعني أن الكتابة جاءت إلى كريت من اليونان وليس العكس، كما كان إيفانز يدعي دائما. ويظل قائما احتمال أن المينوسيين كانت لهم كتابتهم الخاصة؛ إذ لعله يتضح أن الكتابة الخطية «أ» - التي لم تحل شفرتها - مينوسية. ولكن بعد اكتشاف ونتريس الخارق بات من المستحيل تصوير مسينا كمجرد مركز عسكري للحضارة الكريتية؛ بل على العكس، فقد كان واضحا أن اليونانيين المسينيين كان لديهم حضارة قوية خاصة بهم. وفي مرحلة ما، أبعد بكثير مما اعتقد إيفانز - وربما حتى تحت قيادة أمير يدعى ثيسيوس - جاء هؤلاء اليونانيون إلى كريت وفتحوها. •••
لم تضع الكتابة الخطية «ب»، بأي حال، نهاية للمجادلات المحيطة بالمينوسيين. فبحلول ستينيات القرن الماضي، كان معظم علماء الآثار قد أجمعوا على أن المسينيين قد فتحوا كريت، ولكن لم يكن هناك إجماع على الكيفية التي فعلوا بها ذلك. وظل بعض علماء الآثار، وأبرزهم سبيريدون ماريناتوس، مقتنعين بأن ثمة كارثة طبيعية قد أضعفت المينوسيين إلى حد فتح الباب أمام المسينيين.
كان ماريناتوس يعتقد أن تلك الكارثة تمثلت في اندلاع بركان على جزيرة تيرا، التي تقع على بعد قرابة سبعين ميلا شمال كريت. وفي عام 1967، ذهب ماريناتوس إلى تيرا بحثا عن دليل، وسرعان ما اكتشف أكثر مما كان يرجوه: بلدة كاملة تعود للعصر البرونزي محفوظة أسفل طبقة من الرماد البركاني. لم يكن هناك حاجة هنا للإصلاح والترميم على طريقة إيفانز؛ فقد كانت هذه المنازل لا تزال كما هي لم تمس بطريقة لافتة للنظر، والكثير منها مزخرفا بالفن والتحف الفنية على الطريقة المينوسية؛ مما يشير إلى أن تلك المنطقة كانت مستعمرة كريتية. وكان الشيء الوحيد المفقود هو الناس، كان لديهم فيما يبدو ما يكفي من الوقت للفرار قبل انفجار البركان.
كان ذلك اكتشافا غير عادي؛ نسخة كريتية من مدينة بومبي الرومانية ولكن أقدم مرتين. ولكن هل يمكن لانفجار بركاني على جزيرة تيرا أن يكون قد أجهز على الحضارة الكريتية؟ هكذا اعتقد ماريناتوس. فقد ذهب إلى أن البركان ربما يكون قد ثار بفعل الزلازل، التي بدورها تسببت في أعاصير تسونامي التي دمرت كريت. وزعم أن الزلازل والأعاصير، على أقل تقدير، قد ألحقت دمارا كان كفيلا بمنح المسينيين نقطة انطلاقهم. ولو كان إيفانز على قيد الحياة، لشعر أن حجج ماريناتوس قد ثأرت له بالتأكيد.
غير أن معظم علماء الآثار وعلماء الفروع المعرفية الأخرى لم يقتنعوا بذلك. فمن ناحية كانت التواريخ غير متطابقة؛ فقد حدد معظم علماء البراكين تاريخ انفجار بركان تيرا ما بين عام 1600 و1700 قبل الميلاد؛ أي قبل التاريخ التقديري لانهيار الحضارة المينوسية بأكثر من مائة عام. علاوة على ذلك، على الرغم من الدمار البركاني الواضح في تيرا، لم يكن هناك أي ترسبات مهولة للرماد على كريت، ولم يكن هناك أيضا دليل على أن الماء المتدفق من أعاصير تسونامي قد وصل إلى كنوسوس، فضلا عن تدميرها، بل إن الأدلة الأثرية الكائنة على كريت بدت تشير إلى أن النار، وليس الرماد أو الماء ، قد أحدثت الكثير من الدمار هناك.
Bog aan la aqoon