بقي علينا أن نوضح واحدة من مفارقات التاريخ، وهي ولادة يسوع المسيح وفق تقويمنا السائد (الذي يستند إلى قصة الميلاد عند متى) قبل سنوات من بداية التاريخ الميلادي، لا في اليوم الأول من السنة الميلادية المتعارف عليها. فهذه المفارقة راجعة إلى خطأ ارتكبه أول من خطرت له فكرة تقسيم التاريخ إلى ما قبل ميلاد يسوع وما بعده، وهو الراهب
Dionysius Exigus
الذي عاش في روما في القرن السادس الميلادي ووضع أول تقويم يقوم على سنة ميلاد يسوع، والتي اعتبرها متطابقة مع سنة وفاة الملك هيرود الكبير، ولكنه أخطأ في حساب تاريخ وفاة هيرود ودفعه إلى الأمام أربع سنوات. وعندما قامت الدراسات اللاحقة بتصحيح تاريخ وفاة هيرود وجعلته عام 4ق.م. بقي التقويم على حاله.
لغز إخوة يسوع
كانت أسرة يوسف ومريم تضم إلى جانب يسوع البكر أربعة إخوة له وأختين. عن هؤلاء الإخوة لا نعرف إلا أقل من القليل؛ فقد أشار إليهم مرقس ومتى مرتين بشكل عابر، المرة الأولى في معرض تعجب أهل الناصرة عندما سمعوا كلمات الحكمة التي تخرج من فم يسوع، فقالوا: «أليس هذا هو النجار ابن مريم وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أوليست أخواته ها هنا عندنا» (مرقس، 6: 3). وفي الموضع المقابل عند متى نقرأ: «أليس هذا ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟ أوليست أخواته جميعا عندنا» (متى، 13: 55). ويرد ذكر الإخوة عند مرقس ومتي مرة ثانية عندما جاءت أم يسوع وإخوته يطلبونه وهو يكلم الجموع: «فجاء حينئذ إخوته وأمه ووقفوا خارجا وأرسلوا إليه يدعونه. وكان الجمع جالسا حوله، فقالوا له : هو ذا أمك وإخوتك خارجا يطلبونك. فأجاب قائلا: من أمي ومن إخوتي؟ ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال: ها أمي وإخوتي. لأن من يصنع مشيئة الله، هو أخي وأختي وأمي» (مرقس، 3: 31-35. قارن مع متى، 12: 46-50). وعلى الرغم من أن متى ومرقس لم يذكرا لنا عدد الأخوات أو أسماءهن، إلا أن المؤلفين المسيحيين في القرون الأولى للميلاد، مثل إبيفانوس، قالوا: بأنهن اثنتان واحدة تدعى مريم والأخرى سالومي.
1
أما لوقا ثالث الإزائيين، فقد تجاهل قائمة الأسماء التي أوردها مرقس ومتى، ولا نستخلص منه إشارة ولو عابرة إلى وجود إخوة ليسوع أو أخوات.
فإنا انتقلنا إلى يوحنا وجدنا لديه إشارتين إلى إخوة يسوع؛ الأولى عندما قال بشكل عابر إن يسوع بعد عرس قانا الذي حول فيه الماء إلى خمر: «انحدر إلى كفر ناحوم هو وأمه وإخوته وتلاميذه وأقاموا هناك» (يوحنا، 2: 12). أما الإشارة الثانية فتستحق أن نتوقف عندها لأنها تقدم لنا مدخلا لفهم موقف إخوة يسوع منه، فهم إلى جانب عدم الإيمان برسالته قد سعوا إلى وقوعه في أيدي السلطات اليهودية: «وكان عيد الخطال عند اليهود قريبا. فقال له إخوته: انتقل من هنا واذهب إلى اليهودية لكي يرى تلاميذك أيضا أعمالك التي تعمل، لأنه ليس أحد يعمل شيئا في الخفاء وهو يريد أن يكون علانية. إن كنت تعمل هذه الأشياء فأظهر نفسك للعالم. لأن إخوته لم يكونوا يؤمنون به. فقال لهم يسوع: إن وقتي لم يحضر بعد أما وقتكم ففي كل حين حاضر. لا يقدر العالم أن يبغضكم ولكنه يبغضني أنا لأني أشهد عليه بأن أعماله شريرة. اصعدوا أنتم إلى هذا العيد، أنا لست أصعد بعد» (يوحنا، 7: 2-8). هذا الموقف الذي يعبر عنه يوحنا أوضح تعبير في هذا الخبر، يأتي في انسجام مع ما أورده مرقس من أن أسرة يسوع جاءت للقبض عليه لأنهم اعتبروه فاقد الرشد: «ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا إنه مختل» (مرقس، 3: 21).
إن عقيدة العذرية الدائمة لمريم لا تجد سندا لها في الأناجيل الأربعة، كما أن لقب «العذراء» بالمعنى اللاهوتي اللاحق لم يسبغ على مريم في أي من أسفار العهد الجديد. فهذه العقيدة لم تترسخ إلا بعد أن قال بها اللاهوتي أبيفانوس في أواخر الرابع الميلادي، وقبل ذلك كان المؤلفون المسيحيون يشيرون إلى إخوة يسوع على أنهم «إخوة الجسد»، وهذا يعني أنهم أشقاؤه من نفس الأب والأم.
2
Bog aan la aqoon