هل دخل يسوع أورشليم كملك؟
من أجل الإجابة على السؤال المطروح في عنوان هذا البحث، ينبغي علينا أولا أن نجيب على سؤال آخر، وهو: هل اعتبر يسوع نفسه ملكا؟
تقوم فكرة ملوكية يسوع على النبوءات التوراتية بظهور ملك مسيح للرب من نسل داود في نهاية الزمن، يعيد الملك إلى إسرائيل، ويحارب أعداءها في كل مكان، ويحقق ملكوت يهوه على الأرض، وهو مملكة دنيوية يحكمها الرب بنفسه. وقد قام الإنجيليون كل على طريقته بتطبيق هذه النبوءات على يسوع لكي يثبتوا أنه ذلك المسيح المنتظر. فهو «ابن داود» (متى، 1: 1)، و«يعطيه الرب كرسي داود أبيه» (لوقا، 1: 32)، وهو «ملك اليهود» (متى، 2: 1)، وهو «ملك إسرائيل» (يوحنا، 12: 13).
استنادا إلى هذه الإشارات الإنجيلية وغيرها، نشأ اتجاه لدى بعض الباحثين اليهود في كتاب العهد الجديد يركز أصحابه على البرنامج السياسي لحركة يسوع، وذلك انطلاقا من أن يسوع لم يكن صاحب رسالة روحية جديدة بل ثائرا يهوديا دعا إلى تحقيق مملكة الرب على الأرض من خلال حكومة دنيوية. وفي هذا الموضوع يقول جيمس طابور في كتابه «سلالة يسوع» ما يلي: «كان يسوع الابن البكر لأسرة ملكية متحدرة من داود الملك القديم لإسرائيل. وقد نودي به ملكا وأعدمه الرومان بسبب هذا الادعاء وليس بسبب دعوته لكنيسة جديدة أو ديانة جديدة كما هو شائع. فيسوع لم يكن مؤسسا لكنيسة وإنما مطالبا بعرش يتولاه ... وقد أنشأ يسوع قبل موته حكومة إقليمية مؤلفة من اثني عشر مسئولا مناطقيا، كل واحد منهم رئيس على سبط من أسباط إسرائيل. وقد ترك بعد موته أخاه يعقوب على رأس هذه الحكومة الوليدة ، فغدا القائد الذي لا منافس له للحركة المسيحية المبكرة. هذه الحقيقة التاريخية قد نسيت والأكثر احتمالا أنها قد أخفيت».
1
وأيضا: «نحن لسنا متأكدين من كيف ومتى طور يسوع فهمه الذاتي لدوره، ولمهمته فيما اعتقد أنه كان خطة للرب. من المؤكد أنه عرف وهو يترعرع أنه وإخوته كانوا ورثة ذكورا من الذرية الداودية الملكية، وكان مدركا تمام الإدراك للمعاني المسائحية لهذا الميراث. والأسفار المقدسة اليهودية مليئة بالوعود بأن الرب سوف يقيم في الأيام الأخيرة ملكا من ذرية داود، سوف يكون أداة الإطاحة بالحكم الأجنبي وتأسيس مملكة مستقلة لإسرائيل مدشنا بذلك عصرا جديدا.»
2
وأيضا: «وانتقل يسوع كملك مستقبلي لإسرائيل لإقامة حكومة مؤقتة تتشكل من هيئة داخلية أو مجلس الاثني عشر. فقد اختار من بين أتباعه اثني عشر رجلا سماهم نوابا أو مبعوثين. وهذا هو معنى الكلمة اليونانية التي ترجمت إلى رسل. وكان مقصده الأخير هو أنه عندما تصبح هناك حكومة فعلية، فإن كل واحد من هؤلاء سوف يجلس على عرش واحد من أسباط إسرائيل الاثني عشر ... وكانت رؤيا يسوع للمستقبل تتضمن دعوة جميع الإسرائيليين الموزعين في العالم للعودة إلى البلاد، فهذا جميعه قد توقع الأنبياء حدوثه في الأيام الأخيرة، حتى إن يسوع قال بأن خروجا جديدا للإسرائيليين من أراضي شتاتهم سوف يكون بحجم يعادل الخروج من مصر أيام موسى.»
3
وهكذا يتحول يسوع في الفكر اليهودي الحديث من مؤسس للكنيسة المسيحية: «على هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقدر عليها» (متى، 16: 18)، إلى داعية للصهيونية سبق مؤسسها تيودور هرتزل بألفي عام. أما عن قول الباحث في المقطع الثالث الذي اقتبسناه أعلاه بأن يسوع قد تنبأ بخروج جديد للإسرائيليين من أراضي شتاتهم، فقد بحثت عن مثل هذه النبوءة في كتاب العهد الجديد ولم أعثر لها على أثر في كل أقوال يسوع. ولعل باحثنا يلمح إلى قول يسوع: «إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت السماوات، وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية» (متى، 8: 11-12). وبنو الملكوت هنا هم اليهود الذين رفضوا بشارة يسوع بينما قبلها الوثنيون الذين سيدخلون ملكوت الله، أما اليهود فيطرحون إلى الظلمة الخارجية بعيدا عن رحمة الله.
Bog aan la aqoon