16

الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة

الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة

Noocyada

إلاَّ الله وأنَّ محمدًا رسول الله، صدقًا من قلبه، إلاَّ حرمه الله على النار". قال يا رسول الله: أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: "إذا يتكلوا " وأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا" (١). قال الحافظ:"فكأن قوله ﷺ لمعاذ أخاف أنْ يتكلوا كان بعد قصة أبي هريرة فكان النهي للمصلحة لا للتحريم فلذلك أخبر به معاذ لعموم الآية بالتبليغ والله أعلم" (٢). وهنا يتضح أنّ خشية التكاسل والاتكال إنما كانت متوقعة من ضعاف الإيمان أو المؤلفة قلوبهم، والدليل أنّ النبيَّ ﷺ خصّ بها بعض أصحابه كأبي هريرة، ومعاذ. قال المهلب:" فيه أنه يجب أن يُخَصَّ بالعلم قوم لما فيهم من الضبط وصحة الفهم، ولا يبذل المعنى اللطيف لمن لا يستأهله من الطلبة ومن يخاف عليه الترخص والاتكال لقصير فهمه، كما فعل ﷺ " (٣). الضابط الثاني: عرض الرواية على القرآن الكريم وهذا الضابط في الأصل استعمله الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ،إذ لو كان النبي ﷺ حيًّا لردوا اختلافهم إليه. ومن أمثلة هذا الضابط، وأمثلته كثيرة: ما أخرجه أحمد في مسنده عن قتادة عن أبى حسان الأعرج انّ رجلين دخلا على عائشة فقالا: إنّ أبا هريرة يحدث أنّ نبي الله ﷺ كان يقول: "إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار". قال: فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض، فقالت: والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ما هكذا كان يقول، ولكن نبي الله ﷺ كان يقول:"كان أهل الجاهلية يقولون الطيرة في المرأة والدار والدابة". ثم قرأت عائشة: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ (٤) إلى آخر الآية" (٥). وقد وقع اختلاف واضح بين أهل العلم في هذا الحديث بين مقّرٍ ونافٍ له، والحديث لم ينفرد به أبو هريرة، بل رواه ابن عمر ﵁ (٦) وغيره، وليس الموضع موضع دراسته، وأنقل هنا كلام الإمام القرطبي في توجيه

(١) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (١٢٨) و(١٢٩)،من حديث أنس بن مالك ﵁. (٢) ابن حجر، فتح الباري ١/ ٢٢٨. (٣) ابن بطال، شرح صحيح البخاري ١/ ٢٠٧. (٤) سورة الحديد /٢٢. (٥) أخرجه أحمد، المسند ٦/ ٢٤٦. (٦) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (٥٤٣٨) وغيره.

1 / 17