الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة
الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة
Noocyada
٣ - دقتهم وتحريهم وأمانتهم: أخرج مسلم من حديث عقبة بن عامر ﵁، قال: كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي فأدركت رسول الله ﷺ قائما يحدث الناس فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة» قال فقلت: ما أجود هذه فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود فنظرت فإذا عمر قال: إني قد رأيتك جئت آنفا، قال: " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ - الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " (١).
٤ - احتياط الصحابة والتابعين في رواية الحديث:
ومن هذا ما رواه عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه قال: فما سمعته بشيءٍ قط قال: (قال رسول الله ﷺ) فلما كان ذات عشية قال: " قال رسول الله ﷺ، قال: فنكس، قال: فنظرت إليه، فهو قائم محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبًا من ذلك أو شبيهًا بذلك" (٢).
وبدأ التحذير من الكذب على النبي ﷺ في وقت مبكر، فاوّل من حذر منه هو النبي ﷺ نفسه فأخرج البخاري من حديث المغيرة بن شعبة ﵁ " إنّ كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " (٣).
وكذا كان الصحابة يحتاطون جدًا في رواية الحديث خشية من التحريف أو التبديل، فكان بعضهم لشدة حذره يمتنع عن الرواية، وكان بعضهم يقول عقب الحديث (أو نحوه، أو بعناه ..).
ولهذا كان الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ يحتاطون جدًا من قبول الأحاديث، أورد الحافظ الذهبي عند ترجمة أبي بكر الصديق ﵁:"وكان أوّل من احتاط في قبول الأخبار، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءة إلى أبي بكر تلتمس أن تورث، فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئا، ما علمت أنّ رسول لله ﷺ ذكر لك شيئا، ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: حضرت رسول الله ﷺ يعطيها السدس فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر ﵁ " (٤).
(١) أخرجه مسلم، المسند الصحيح١/ ٢٠٩ (٢٣٤). (٢) أخرجه ابن ماجه، السنن (٢٣). (٣) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (١٢٢٩). (٤) الذهبي، تذكرة الحفاظ ١/ ٢، والدهلوي، حجة الله البالغة ١/ ١٤١.
1 / 12