Albert Camus: Hordhac Kooban
ألبير كامو: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
ولإنقاذ ماضي فرنسا والحفاظ على مستقبلها، كان لا بد من أن تروى القصة الخيالية عن فرنسا التي تتألف في معظمها من المقاومين. لعب المثقفون دورا محوريا في هذا المشروع كرواة لهذه القصة، بوصفهم منتفعين منها، وبوصفهم أيضا ضحايا لها في بعض الأحيان. كان هناك إجماع غير معلن نحو اتباع الجنرال ديجول من جانب اليسار غير الشيوعي - ومن كل الدوائر الأدبية تقريبا - على منح لقب «مقاوم» تقريبا لأي شخص لم يتواطأ مع الألمان صراحة. تجسد هذا الإجماع في إضفاء الطابع المثالي على الماضي القريب، والذي تردد صداه في الخطاب البلاغي الذي اتسمت به مقالات كامو في جريدة «كومبات».
أصبح كامو متحدثا رسميا عن المعارضة بطريقة ما؛ إذ كان يتحدث على لسانها في افتتاحيات صحيفة «كومبات» بعد التحرير. نبرة الافتتاحيات الأولى كانت نبرة حكم أخلاقي على ذلك الزمان، يدلي بتصريحات عظيمة عن فرنسا وعن مسيرتها في الماضي والحاضر والمستقبل. كان على كامو أن يصارع لأجل هذا اللقب: انخرط في جدال مع الروائي الشهير مورياك عما إذا كان من الواجب معاقبة المتواطئين مع الألمان بشدة. فقال فيما عرف عنه، عن أعداء المقاومة، إن الأمر كان يقتضي وجود المزيد من الشخصيات أمثال سان جاست؛ وهو بطل تاريخي من الثورة الفرنسية كان داعما مع حليفه روبسباير لتطبيق عقوبة الإعدام على أعداء الثورة. رغم ذلك، غير كامو رأيه بعدها بشهور قليلة فقط؛ بعدما رأى ما كان يعتقد أنه تطرف في التطهير، واتجه إلى معارضة عقوبة الإعدام والاتفاق مع مورياك.
كان لدى كامو مخاوف أخرى؛ كان رافضا للعودة إلى جمهورية ثالثة يهيمن عليها المال. كتب كامو أن الألمان أجبروا الفرنسيين إما على القتل وإما على العيش راكعين، واختتم بقوله إن الفرنسيين ليسوا عرقا يعيش راكعا. ووصل المقال إلى ذروته على نحو بطولي: «في 21 أغسطس 1944، في شوارع باريس، بدأ نضال سينتهي بالنسبة إلينا جميعا وبالنسبة إلى فرنسا بالحرية أو الموت.»
هنا أيضا، ساهم كامو في الأسطورة التي شارك شارل ديجول بقدر كبير في نسج خيوطها - أسطورة أن فرنسا كانت قوة كبرى في القتال ضد ألمانيا النازية. كان الهدف من تحرير باريس أن يكون استعراضا للقوة لرفع الروح المعنوية لدى الباريسيين. وفي واقع الأمر، طلب ديجول من الأمريكيين إذا ما كان بإمكان كتائب الجنرال لوكلير المدرعة أن تحرر باريس، فكان هذا موضوع مفاوضات مكثفة إلى حد ما. وعلى الرغم من أن دبابات لوكلير دخلت باريس أولا، فإن رسو الإنجليز في نورماندي - والذي صار ممكنا بسبب ضغط الاتحاد السوفييتي الهائل على الفيرماخت على الجبهة الشرقية - هو الذي أدى إلى تحرير باريس. لكن عندما دخل ديجول مدينة النور، ألقى خطبة شهيرة أعلن فيها أن باريس حررت نفسها؛ ومن ثم فكرة أن فرنسا ستحرر نفسها أيضا.
كان هذا الخطاب جزءا مما رأى ديجول أنه صناعة حاسمة لأسطورة هدفها حماية وحدة فرنسا، وإعادة غرس قليل من الكبر في شعب واهن العزيمة تماما. استعيد «مجد» فرنسا أيضا - والثقة في زعامتها - من خلال إعادة تأطير أفعال مثقفيها. كان المقصود أولا ألا توجد حلول وسطى؛ أن تكون إما مقاوما وإما متواطئا، وإن كان الواقع شديد التعقيد والغموض.
وقد لعب كامو نفسه دورا وجيها في صناعة تلك الأسطورة، لا سيما بعد تحرير باريس مباشرة، في أول مقالاته المنشورة التي كان لها عناوين مثل: «دماء الحرية»، و«ليل الحقيقة»، و«زمن الاحتقار». في تلك المقالات الافتتاحية، برر عنف التحرير، بل مجده. لاءمت تلك اللغة الاحتفالات التي أقيمت في كل أنحاء فرنسا في يوم النصر (عيد النصر في أوروبا). كان ذلك هو التطهير الأخير قبل بزوغ فجر حقبة سلام جديدة. لكن لم يكن الأمر على هذا النحو في الجزائر.
استغل بعض الجزائريين فرصة يوم النصر والاحتفالات لنشر العلم الجزائري والتلويح به - فقد كان كثير منهم، في نهاية المطاف، من الجنود السابقين الذين شاركوا في الصفوف الأمامية في أول انتصار حقيقي لبقايا الجيش الفرنسي على الجبهة الإيطالية. ردت الشرطة الفرنسية على تلك المظاهرات بإطلاق النار على المتظاهرين. أدى هذا الرد إلى تصاعد أعمال العنف، التي قتل فيها حوالي 100 من الشرطة الفرنسية والأقدام السوداء.
أدى رد فعل الفرنسيين والأقدام السوداء إلى أحد فصول التاريخ الفرنسي الأكثر ظلاما والأقل طرحا للحديث عنه. راحت الشرطة والقوات المسلحة الفرنسية إلى جانب ميلشيات الأقدام السوداء تذبح آلاف الجزائريين لأسابيع بلا انقطاع، خاصة في سطيف وقالمة. كما قصفت القوات الجوية الفرنسية قرى بأكملها، حتى سوتها بالأرض. وفي باريس، تجاهلت الصحافة المتمدنة بأغلبيتها العظمى المذابح. لكن ألبير كامو لم يتجاهلها.
تحررت معظم أجزاء فرنسا بالفعل بنهاية عام 1944؛ ومن ثم أصبح في إمكان كامو السفر بحرية. كان لتوه عائدا من رحلة طويلة في الجزائر، أعد خلالها مقالات يصف فيها محنة العرب للقراء الفرنسيين، وراح يبين لهم أن على الفرنسيين غزو الجزائر «مرة أخرى»، وكان يعني بذلك أن على فرنسا أن تحوز قلوب العرب والبربر وعقولهم. على ضوء تلك الغاية، أطاحت المذابح في سطيف وقالمة بكل ما كان يرجو كامو أن يراه، وكانت مقالاته وقتها على وشك أن تنشر. وبما أنه لم يستطع التظاهر بأن المذابح لم تقع، فقد قلل من فظاعتها. ومن الضروري أن نلاحظ أن الجزائريين من منظور كامو هم من ارتكبوا المذابح؛ حيث وصف القتل المنظم لآلاف الجزائريين على يد قوات الاحتلال بمصطلح أكثر حيادية، وهو «القمع». فكتب:
أثارت المذابح في سطيف وقالمة السخط وإحساسا عميقا بالامتعاض عند فرنسيي الجزائر. وأدى القمع الذي تلاها إلى إحساس بالخوف والعداوة عند جموع العرب.
Bog aan la aqoon