Albert Camus: Hordhac Kooban
ألبير كامو: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
كامو الشاب والسياسة
قد يبدو للوهلة الأولى أن كامو لم يكن سياسيا. أعلن كامو في نصوصه الأولى أنه مناهض للتقدم، ويبدو أنه كان يفضل الكتاب المهتمين بالفن لأجل الفن على الفنانين المتحفظين، الملتزمين اجتماعيا وسياسيا، كمن تدرس أعمالهم في المدارس الفرنسية: فولتير وزولا. (ثمة تكهن بين بعض المختصين في حياة كامو يقول إنه ربما عمل محررا لجريدة متطرفة مناصرة للاستقلال، اسمها «إقدام»، بينما كان في المدرسة الثانوية، لكن لا توجد أدلة ملموسة تدعم هذه الفرضية.) لا يوجد ذكر لكونه كان صديقا أو كان له تفاعل ذو قيمة مع الطلاب الجزائريين المعدودين في المدرسة الثانوية، رغم وعيه بمحنة الجزائريين. بعدها بسنوات عندما كتب إلى جرينييه يحدثه عن شبابه المعدم، قارن وضعه بهم، «لقد كنت فقيرا، لكن كنت سأصبح أسوأ حالا لو كنت عربيا.»
لكن في خريف عام 1935، وعلى نحو غير متوقع فيما يبدو، انضم كامو في عمر الحادي والعشرين إلى الحزب الشيوعي، وكلف بضم أعضاء من الجزائريين. توجد عدة تفسيرات محتملة لهذا الالتزام السياسي، الذي يبدو أنه لم ينبع من كتاباته الأولى، والذي يبدو مناقضا أيضا لتصريحاته المعادية للشيوعية والاتحاد السوفييتي لاحقا. ومع أن جرينييه لم يكن عضوا في الحزب الشيوعي، فقد شجع كامو على الالتحاق بالحزب. ولا بد أن نصيحة جرينييه تأثرت بحقيقة أن الحزب الشيوعي كان هو المكان الأمثل لمثقف طموح في ثلاثينيات القرن العشرين. فقد كان العديد من الأسماء الساطعة في الأدب الفرنسي إما موالين للحزب وإما أعضاء فيه، وكان جيد ومالرو - وهما من أكثر الكتاب إثارة لإعجاب كامو في ذلك الوقت - مؤيدين للحزب عندما انضم كامو إليه.
لكن كامو لم يكن ماركسيا. ولا حتى مهتما ولو من بعيد بالقراءة لماركس. أحد أسباب انضمام كامو إلى الحزب أنه مكان يمكن أن يتخذه منبرا للمطالبة بحل وسط للاضطرابات المتنامية في قطاعات بعينها من الشعب الجزائري. أراد كامو الترويج لدمج الجزائريين تدريجيا بوصفهم مواطنين في الجمهورية الفرنسية، وكان مؤيدا لإلغاء قانون السكان الأصليين، ودعم منح الجنسية إلى أقلية مختارة من النخبة الجزائرية. تلك التسوية ستكون سبيلا لمقاومة الاضطرابات المتنامية في الطوائف السياسية الجزائرية التي تطالب بالاستقلال علانية. وقد شكل مقترح منح الجنسية إلى عدد محدود من الجزائريين أساس مشروع قانون بلوم-فيوليت، الذي سمي بذلك نسبة إلى رئيس الوزراء الفرنسي ليون بلوم الراعي الرئيسي لهذا المشروع، وموريس فيوليت، وهو حاكم الجزائر السابق وقتها.
دعم كامو مشروع القانون بحماسة، وكتب عريضة - «بيان المثقفين الداعمين لمشروع قانون فيوليت» - حث فيها على إلغاء قانون السكان الأصليين، الذي وصفه بأنه غير آدمي. كتب كامو أيضا أن المشروع يدعم المصلحة الوطنية؛ لأنه يظهر للعرب الوجه الإنساني لفرنسا، ما كان يراه كامو واجب الحدوث. ولذا دعم كامو موقفا استراتيجيا لكنه إشكالي: الاستعمار ذو الوجه الإنساني - الذي يتمثل هدفه الرئيسي في حماية الوجود الفرنسي في الجزائر.
كان كامو مقتنعا لأسباب وجيهة أن رفض تقديم تنازلات للعرب سيكون له عواقب وخيمة على فرنسا بوصفها قوة استعمارية. كان هذا موقف فيوليت أيضا. فوجه تحذيرا صارما للأقدام السوداء بأن عدم الوصول إلى تراض سيعزز من مصداقية الجزائريين الداعمين للانفصال الكامل عن فرنسا وللاستقلال. لكن التحذير لم يلق أذنا مصغية. وفي مواجهة معارضة مدوية من الأقدام السوداء لم يصبح مشروع القانون قانونا، ورفض في خريف عام 1937. تخلى الحزب الشيوعي أيضا عن تأييده للمشروع التوافقي، الذي أدى إلى خسارته لعدد من أعضائه العرب، وترك كامو محبطا. لا تزال مسألة ما إذا كان هو من ترك الحزب أم أنه استبعد منه خلافية، لكن بعد فشل مشروع قانون بلوم-فيوليت، من الواضح أن كامو لم تكن لديه أي رغبة في استمرارية عضويته.
ترك وجود كامو المؤقت في الحزب الشيوعي تأثيرا دائما على حياته وعلى جهوده الفنية، وإن لم يكن بالطريقة التي كان الحزب يريدها. فقد شارك كامو في تأسيس فرقة مسرحية تدعى مسرح العمال، كانت تقريبا أهم ما خلفه كامو من إرث في السنوات التي كان فيها عضوا بالحزب. كما شارك في كتابة مسرحية نضالية، بعنوان «تمرد أشتورية»، عن إضراب لعمال مناجم متمردين في منطقة أشتورية في إسبانيا قبل الحرب الأهلية الإسبانية مباشرة. رغم أن المسرحية دعمت العمال المتمردين، بدأ يظهر إشكال في معتقدات كامو السياسية. فتتضمن الفقرات التي يقال إن كامو قد كتبها (طبقا للنسخة الفرنسية القياسية) نقدا قويا لعنف كل من الدولة الإسبانية والعمال وحزبهم. رأى كامو أن العنف الثوري ليس مقبولا بقدر ما يكون عنف الدولة غير مقبول. كان من الغريب تبني هذا الموقف في مسرحية كتبت عن أحداث وقعت عشية الحرب الأهلية الإسبانية، والتي ستؤدي إلى زيادة سريعة في الدعم الفني والثقافي للجمهوريين الإسبانيين الذين حاربوا وهزموا في مواجهة فرانكو. وستصبح مشكلة العنف الثوري موضوعا ثابتا في أعمال كامو، وستظهر في نقاشاته اللاحقة مع سارتر وفي مسرحيته «القتلة المنصفون».
كانت الفترة القصيرة التي قضاها كامو في الحزب الشيوعي أول تجل علني لوعيه القوي - لكن الخفي حتى تلك اللحظة - بمظالم الاحتلال الفرنسي. لا شك أنه بانضمامه إلى الحزب الشيوعي تحول فجأة من موقف الصمت على الوقائع الاستعمارية إلى صاحب قرار بمواجهتها. رغم ذلك كان موقف كامو يهدف إلى التسوية؛ فقد أراد الإصلاح وتخفيف وطأة الاستعمار، لكنه لم يشكك قط في تسلط فرنسا على الجزائر، ولم يؤيد الاستقلال الجزائري. وتجربته الأولى في السياسة الثورية والبرلمانية جعلته يعي أن هدفه في إدماج أفضل للجزائريين في النظام الاستعماري الفرنسي، في مواجهة المعارضة الشديدة من قبل الأغلبية الكاسحة من الأقدام السوداء، مستحيل تقريبا. وفي وقت لاحق، أبدى كامو امتعاضا عندما أشار النقاد إلى عضويته في الحزب الشيوعي؛ ليس لأنه أصبح منتقدا بشدة للحزب الشيوعي والاتحاد السوفييتي، لكن أيضا لأن الوقت الذي قضاه مناضلا سياسيا يعد تذكيرا محبطا بالفجوة العميقة بين الجزائريين والأقدام السوداء.
في الفترة التي ترك فيها الحزب، ركز على المسرح بوصفه كاتبا مسرحيا وممثلا. وبينما كان عضوا في مسرح العمال، كان له العديد من الخليلات، لكن حبه الحقيقي كان فرانسين فور، وهي طالبة متفوقة في الرياضيات والموسيقى، ولم تبادله المشاعر من فورها. فدأب على التودد إليها بحرص شديد حتى صارت في النهاية زوجته الثانية.
وسعيا وراء تدبر احتياجاته، التحق بوظيفة كاتب في معهد الأرصاد بالجزائر. كانت مشاريعه الأدبية عديدة؛ إذ عمل على مسرحية «كاليجولا»، ورواية «الموت السعيد » المنشورة بعد موته، ومجموعة المقالات «أعراس»، وحاول إنشاء دورية أدبية مع أصدقائه (صدر منها عددان). لكن، في أكتوبر 1938، غيرت انتكاسة أخرى حياته. بعد فحص طبي إلزامي في الثامن من أكتوبر، منعه نظام التعليم الفرنسي بحكم القانون من الالتحاق بالوظائف الحكومية الفرنسية نظرا لاعتلال صحته. (حفاظا على موارد الدولة، لا يجوز للمواطنين المتوقع لهم أعمارا قصيرة أن يصبحوا موظفين حكوميين.) وقد طعن كامو في الحكم لكن دون جدوى. لا بد أنه شعر وقتها أن كل ما قام به من عمل منذ المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة، كان بطريقة ما بلا معنى. ولم يكن ليسير في درب جرينييه في نهاية المطاف.
Bog aan la aqoon