Albert Camus: Hordhac Kooban
ألبير كامو: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
أول عمل مكتوب لكامو لدينا يتكون أساسا من أوراق من السنة الأخيرة له في المدرسة الثانوية وما بعدها، وقد شجعه جين جرينييه على تقديمها لدار مطبوعات المدرسة، وكانت هذه الأوراق اسمها بالفرنسية «سود» (بالعربية «الجنوب»). القطع المنشورة التي لم تنشر في تلك الحقبة تظهر استشرافا رومانسيا؛ كان كامو يمجد الطبيعة، لا سيما الشمس وضوءها، ورفض التقدم الذي شبهه بالسجن. وفي عمل له عن الموسيقى، بين كامو أن الموسيقى العظيمة والفن العظيم يتعذر فهمهما، بل ينبغي لهما أن يكونا كذلك.
يظهر تناقض كامو الوجداني تجاه المعرفة الثقافية والأكاديمية جليا في تلك المرحلة المبكرة. ففي واحد من نصوصه المبكرة غير المنشورة، تخيل حوارا بين شخص يحكي بصيغة المتكلم وبين رجل مجنون، كتب فيه: «رفض المعرفة تحرر، خطوة حاسمة نحو عتق الروح». كشف تبجيله لقبول ما لا سبيل إلى معرفته عن بعض أوجه العبث الذي سيعرضه في «أسطورة سيزيف». وفي فقرة أخرى في النص غير المنشور نفسه، ينظر الراوي إلى المارة من شرفته، حينها ينصحه المجنون بالتغاضي عن تلك الحيوات غير المسبورة. وتلخص فقرة أخرى لاحقة في عمله «الغريب» هذا التوجه - ينظر من الشرفة إلى المارة المنهمكين انهماكا عاديا في حيواتهم. تظهر هذه الفقرات وكثير غيرها أن كامو كان يشعر فعلا منذ صغره أنه معزول عمن يعيشون حيواتهم دون وعي.
تتسم أيضا كتاباته في تلك الفترة بمسحة شاعرية. فخلال بحثه عن صوت له ككاتب، جرب العديد من الأنواع الأدبية: الشعر، والمقالات، بل حتى قصص الخرافات. إذا قارناه في تلك المرحلة المبكرة من حياته برسام، فربما كانت نظرة كامو للعالم أقرب شبها بلوحات جوزيف مالورد ويليام تيرنر الأكثر تجريدا، حيث يطغى فيها ضوء الشمس على كل شيء، والبشر فيها غير مهمين نسبيا. كانت عقيدة كامو في ذلك الوقت هي «الفن» (كان كامو يكتب كلمة
Art ، وهي اللفظة الإنجليزية المرادفة لكلمة «فن»، بأحرف استهلالية كبيرة على نحو شبه دائم)، وكانت رؤيته متأثرة تأثرا كبيرا بمؤيدي مقولة «الفن لأجل الفن». كان مولعا بصفة خاصة بشاعر القرن التاسع عشر شارل بودلير - في الواقع، هناك تسجيلات لكامو وأصدقائه وهم يلقون قصيدة «الغريب» لبودلير. أهمية تلك القصيدة بالنسبة إلى كامو غنية عن البيان؛ لأنها تحمل نفس اسم الرواية، التي ألفها وصارت أشهر رواياته، وبعض مواضيعها: - قل لي، أيها الرجل الغامض، أيهما تكن له حبا أكبر؟ أبوك أم أمك، أختك أم أخوك؟ - لا أب لي ولا أم، ولا أخت ولا أخ. - وأصدقاؤك؟ - أنت تستخدم كلمة ما يزال معناها مجهولا لي حتى اليوم. - إنه وطنك إذن؟ - إنني أجهل موقعه. - الجمال؟ - الجمال؟ كنت سأحبه عن طيب خاطر، لو كان إلهة خالدة. - الذهب؟ - أكرهه بقدر كرهك للإله. - عجبا! فما الذي تحب إذن، أيها الغريب العجيب؟ - أحب الغيوم ... الغيوم التي تمضي ... بالأعلى ... هناك ... يا لروعة الغيوم!
اقتدى كامو أيضا بتأنق بودلير في ملابسه: كان يرتدي البابيون، وبدلة مزدوجة الأزرار، وقبعات اللبود، والجوارب البيضاء (انظر شكل
1-2 ). لم تعط أي من تلك الثياب الفاخرة أي إشارة إلى أصوله المتواضعة، ولكن كتاباته، وإن لم تكن سيرة ذاتية صريحة، كانت تشير إلى ذلك بالتأكيد. كتب كامو عن أفراد عائلته، وحيه، وحياته هو بما فيها تجربته في غرفة المستشفى المزدحمة في اليوم الذي شخصت فيه حالته بالسل. في مقاله «ما بين هذا وذاك» وصف كامو حياته في الشقة الصغيرة في شارع بلكور. وفي مقاله الثاني «سخرية القدر»، يصف عائلته:
عاش خمستهم معا: الجدة، والابن الأوسط، وابنتها الكبرى، وطفلاها. كان الابن صامتا في العادة، وكانت الابنة معاقة وعصيا عليها التفكير. أما طفلاها، فقد عمل أحدهما لدى شركة تأمين، فيما باشر الآخر دراساته.
وعلى غرار ما حدث في حياته، تموت الجدة بينما لا يشعر الحفيد الأصغر (يمثل كامو نفسه) بأي أسى. جمال الشمس والسماء هو فقط ما يثير المشاعر الحقيقية والمبهجة في المقال.
شكل 1-2: ألبير كامو، شابا متأنقا في فلورنسا.
في تلك الكتابات وغيرها، أصبحت قسوة الحياة اليومية وحتمية الموت مواضيع رئيسية. لكن تبقى قوة لحظات التواصل مع الطبيعة ويبقى تأثيرها. وتقارب العديد من مقالاته بين تلك التناقضات الظاهرية: انعدام المعنى في حياة مآلها الموت ولحظات السعادة السامية، وربما النعيم، التي تستحثها الطبيعة. سيعطي كامو للحظات النعيم تلك اسما شهيرا بالفرنسية؛ وهو «بونير» ويعني «الغبطة». يتسم هذا الاسم في الفرنسية بأنه أبلغ وقعا من مثيله في الإنجليزية. ولا يوجد ما هو أقوى أثرا وأكثر إيجابية من لحظات «الغبطة» تلك في أعمال كامو: إنها الغاية القصوى، تمر سريعا لكنها عزاء متواتر من البيئة البشرية العازمة على العدوانية والعالم العديم المعنى.
Bog aan la aqoon