فقلت في عناد: وما الذي يشق علي في ملء عشرات من القدور بالحصى؟ إن قدرا من الخزف لا تزيد على الأخرى إذا كانت مختومة.
فعاد إلى ضحكه وقال: لن تستطيع.
فقلت: وما الذي يمنعني؟
فقال وهو لا يزال يجمع بضاعته: الذي يمنع من السرقة.
فقلت: ولكن السرقة جريمة.
وكان قد قام ونادى رجلا يسير أمامه، فأمره أن يحمل له بضاعته، فجمعها الرجل في حجر ثوبه، ونظر صاحبي إلي في عجلة وقال: «ستكون وليمة مرحة، وأرجو أن تؤنسنا بصحبتك.»
وكأنه نسي كل الحديث الذي كان بيننا، فسار وسرت معه، وجعل يحدثني عن صنوف الطعام التي يعدها لوليمته، حتى بلغنا المنزل فاستأذن وسار إلى داره وهو يغني، والحمال يزحف من ورائه بحمله الثقيل.
الفصل الرابع عشر
قضيت ليلتي في أحلام متعاقبة عشت فيها مع الأحبة في ماهوش.
أي وطني الحبيب الذي قسا علي! إنك لا تزال في قلبي مع كل قسوتك، وكلما مرت بي الأيام عرفت ما كنت أجهل من فضلك. لقد هاجرت من وطني لأنني لم أجد فيه مكانا يرضيني، ولأنني لم أجد فيه رزقا يغنيني. ولكنني علمت بعد أن وجدت الرزق في جانبولاد أن وطني كان يمنحني ما هو أثمن من كل مال وأطيب من كل رزق. كان يمنحني الكرامة والحرية، وهما لا يقومان بمادة هذه الحياة كلها، فوا حر قلباه! ورأيت في حلمي كل الأحبة: رأيت ولدي عجيبا وابنتي جميلة، ورأيت صديقي أبا النور، ثم رأيت مع كل هؤلاء علية؛ علية ابنة علاء الدين التي ملأت قلبي حبا ونورا، وحدثتها وبثثتها لوعة الفراق وناجيتها بأشجاني الثائرة، وعاتبتها عتابا طويلا؛ عاتبتها في حلمي كأنها هي التي هجرتني وخلفتني وحيدا. فلما قمت في الصباح وجدت قلبي ممتلئا بها. لقد كانت في ماهوش تعيش في قصرها وحوله الحراس والحجاب، لم أستطع يوما أن أدنو من أسواره. ولكنها مع ذلك كانت دائما قريبة مني. قريبة لا يفرق بيني وبينها حجاب لأنها كانت في قلبي. كانت صورة وكانت خيالا، وما حاجتي إلى غير صورتها وخيالها؟ إنني لم أبال الجسم الذي يذوي ويمرض ويضعف ويزول؛ فقد كانت روحي التي تتعلق بها وتجد السعادة في تأمل كمالها.
Bog aan la aqoon