Al-Zawajir 'an Iqtiraf al-Kaba'ir

Ibn Hajar Haytami d. 974 AH
53

Al-Zawajir 'an Iqtiraf al-Kaba'ir

الزواجر عن اقتراف الكبائر

Daabacaha

دار الفكر

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر: ٨٥] فَكَلَامٌ مُحَقَّقٌ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ فَإِنَّ النَّافِعَ هُوَ اللَّهُ فَمَا نَفَعَهُمْ إلَّا اللَّهُ، وقَوْله تَعَالَى: ﴿سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ﴾ [غافر: ٨٥] يَعْنِي الْإِيمَانَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْيَأْسِ، وَإِنَّمَا قَبَضَ فِرْعَوْنَ، وَلَمْ يُؤَخِّرْ فِي أَجَلِهِ فِي حَالِ إيمَانِهِ لِئَلَّا يَرْجِعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّعْوَى. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ [هود: ٩٨] فَمَا فِيهِ نَصٌّ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا مَعَهُمْ بَلْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ [غافر: ٤٦]، وَلَمْ يَقُلْ أَدْخِلُوا فِرْعَوْنَ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ أَوْسَعُ مِنْ حَيْثُ أَنْ لَا يَقْبَلَ إيمَانَ الْمُضْطَرِّ، وَأَيُّ اضْطِرَارٍ أَعْظَمَ مِنْ اضْطِرَارِ فِرْعَوْنَ فِي حَالِ الْغَرَقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: ٦٢] فَقَرَنَ لِلْمُضْطَرِّ إذَا دَعَاهُ الْإِجَابَةَ وَكَشْفَ السُّوءِ عَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ عَذَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْغَرَقِ فِي الْمَاءِ انْتَهَى كَلَامُهُ. فَهَلْ هَذَا الْكَلَامُ مُقَرَّرٌ أَوْ مَرْدُودٌ فَمَا وَجْهُ رَدِّهِ؟ قُلْت: لَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ مُقَرَّرًا، وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ جَلَالَةَ قَائِلِهِ فَإِنَّ الْعِصْمَةَ لَيْسَتْ إلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ.، وَلَقَدْ قَالَ مَالِكٌ ﵁ وَغَيْرُهُ: مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَرْدُودٌ عَلَيْهِ إلَّا صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ كُتُبِ ذَلِكَ الْإِمَامِ أَنَّهُ صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّ فِرْعَوْنَ مَعَ هَامَانَ وَقَارُونَ فِي النَّارِ،، وَإِذَا اخْتَلَفَ كَلَامُ إمَامٍ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ بِمَا يُوَافِقُ الْأَدِلَّةَ الظَّاهِرَةَ وَيُعْرَضُ عَمَّا خَالَفَهَا، بَلْ قَدْ مَرَّ لَك أَنَّ الْآيَةَ وَحَدِيثَ التِّرْمِذِيِّ الصَّحِيحَ صَرِيحَانِ فِي بُطْلَانِ الْإِيمَانِ عِنْدَ الْيَأْسِ فَلَا يُلْتَفَتُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَا مَرَّ مِنْ تَأْوِيلِ ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ﴾ [غافر: ٨٥] بِأَنَّ النَّافِعَ هُوَ اللَّهُ، وَأَيْضًا فَمِمَّا يُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ إضَافَةُ الْأَشْيَاءِ إلَى أَسْبَابِهَا. فَإِذَا قِيلَ: لَا يَنْفَعُ الْإِيمَانُ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ إلَّا الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَأَيُّ مَعْنًى مُسَوِّغٍ لِهَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَخُصَّ نَفْعَ اللَّهِ بِهَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ حَالَةُ وُقُوعِ الْعَذَابِ مَعَ النَّظَرِ إلَى مَا هُوَ الْوَاقِعُ الْحَقُّ مِنْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ النَّافِعُ حَقِيقَةً فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَوْ نَفَعَهُمْ اللَّهُ لَمَا اسْتَأْصَلَهُمْ بِالْعَذَابِ. وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: ٨٥] دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ﴾ [غافر: ٨٥] أَنَّهُمْ بَاقُونَ مَعَ ذَلِكَ الْإِيمَانِ عَلَى الْكُفْرِ، وَكَفَى بِتَفْسِيرِ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ الْمُوَافِقِ لِلْحَدِيثِ

1 / 57