Al-Zawajir 'an Iqtiraf al-Kaba'ir
الزواجر عن اقتراف الكبائر
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م
Noocyada
Fiqiga Shaaficiga
وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَكْرِ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَى اللَّهِ ﷾. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَزَّ قَائِلًا: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ٥٤] فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ عَلَى حَدِّ ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ [المائدة: ١١٦] قِيلَ: وَمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ - تَعَالَى - بِالْمَكْرِ إلَّا لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ لَفْظٍ آخَرَ مُسْنَدٍ لِمَنْ يَلِيقُ بِهِ انْتَهَى. وَرُدَّ بِأَنَّهُ جَاءَ وَصْفُهُ - تَعَالَى - بِهِ مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٩٩] عَلَى أَنَّ الْمَكْرَ رُبَّمَا يَصِحُّ اتِّصَافُهُ - تَعَالَى - بِهِ إذْ هُوَ - لُغَةً - السِّتْرُ يُقَالُ: مَكَرَ اللَّيْلُ: أَيْ سَتَرَ بِظُلْمَتِهِ مَا هُوَ فِيهِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الِاحْتِيَالِ وَالْخِدَاعِ وَالْخُبْثِ؛ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ عَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ بِأَنَّهُ السَّعْيُ بِالْفَسَادِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ صَرْفُ الْغَيْرِ عَمَّا يَقْصِدُ بِحِيلَةٍ، وَهَذَا الْأَخِيرُ: إمَّا مَحْمُودٌ بِأَنْ يَتَحَيَّلَ فِي أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى خَيْرٍ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ٥٤]، وَإِمَّا مَذْمُومٌ بِأَنْ يَتَحَيَّلَ بِهِ فِي أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى شَرٍّ وَمِنْهُ ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: ٤٣] .
[الْكَبِيرَةُ الْأَرْبَعُونَ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ]
(الْكَبِيرَةُ الْأَرْبَعُونَ: الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: ٨٧] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] .
وَفِي الْحَدِيثِ: «إنْ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ مِنْهَا طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الطَّيْرُ وَالْوُحُوشُ عَلَى أَوْلَادِهَا، وَأَخَّرَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إنَّك مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَك عَلَى مَا كَانَ مِنْك وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُك عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَك، يَا
1 / 148