Al-Zawajir 'an Iqtiraf al-Kaba'ir
الزواجر عن اقتراف الكبائر
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م
Noocyada
Fiqiga Shaaficiga
وَلَمَّا كَانَ ﷺ يَقُولُ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِك، قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ ﵂ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّك تُكْثِرُ أَنْ تَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فَهَلْ تَخْشَى؟ قَالَ: وَمَا يُؤَمِّنُنِي يَا عَائِشَةُ وَقُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُقَلِّبَ قَلْبَ عَبْدِهِ قَلَّبَهُ» . وَقَدْ أَثْنَى تَعَالَى عَلَى الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ بِقَوْلِهِمْ: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: ٨] .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً وَاضِحَةً لِرَدِّ مَا عَلَيْهِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَالْحَقِيقَةُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّ الزَّيْغَ وَالْهِدَايَةَ بِخَلْقِ اللَّهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْقَلْبَ صَالِحٌ لِلْمَيْلِ إلَى الْخَيْرِ، وَإِلَى الشَّرِّ، وَإِلَى الْإِيمَانِ، وَإِلَى الْكُفْرِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَمِيلَ إلَى أَحَدِهِمَا بِدُونِ دَاعِيَةٍ، بَلْ لَا بُدَّ فِي مَيْلِهِ لِذَلِكَ مِنْ حُدُوثِ دَاعِيَةٍ، وَإِرَادَةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ دَاعِيَةَ الْكُفْرِ فَهُوَ الْخِذْلَانُ وَالْإِزَاغَةُ وَالصَّدُّ وَالْخَتْمُ وَالطَّبْعُ وَالرَّيْنُ وَالْقَسْوَةُ وَالْوَقْرُ وَالْكِنَانُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ، وَإِنْ كَانَ دَاعِيَةَ الْإِيمَانِ فَهُوَ التَّوْفِيقُ وَالْإِرْشَادُ وَالْهِدَايَةُ وَالتَّسْدِيدُ وَالتَّثْبِيتُ وَالْعِصْمَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ.
ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْأُصْبُعَيْنِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَفِيمَا رُوِيَ: «قَلْبُ الْمُؤْمِنِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ» هُمَا الدَّاعِيَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.
وَمِمَّا يُحَذِّرُك أَيْضًا مِنْ أَمْنِ الْمَكْرِ اسْتِحْضَارُك قَوْلَهُ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا» . وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ: «إنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَعْمَلُ الرَّجُلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ» .
وَلَا يُتَّكَلُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لَمَّا قَالُوا عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِ أَعْمَالِنَا؟ قَالَ لَهُمْ: بَلَى اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ [الليل: ٥] ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل: ٧] ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل: ٨] ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٩] ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠]
1 / 146