119

Al-Zawajir 'an Iqtiraf al-Kaba'ir

الزواجر عن اقتراف الكبائر

Daabacaha

دار الفكر

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م

اسْتِعْظَامِ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي التَّكَبُّرَ إلَّا إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَرَى أَنَّهُ فَوْقَهُ.
وَمِنْهَا: يَتَعَيَّنُ عِلَاجُ الْعُجْبِ أَيْضًا؛ وَعِلَاجُ كُلِّ عِلَّةٍ إنَّمَا يَكُونُ بِضِدِّهَا؛ وَعِلَّةُ الْعُجْبِ الْجَهْلُ الْمَحْضُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي حَدِّهِ، وَشِفَاؤُهَا النَّظَرُ إلَى مَا لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُقَدِّرُ لَك عَلَى نَحْوِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالْمُنْعِمُ عَلَيْك بِالتَّوْفِيقِ إلَى حِيَازَتِهِ وَيَجْعَلُك ذَا نَسَبٍ أَوْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ، فَكَيْفَ يُعْجَبُ بِمَا لَيْسَ إلَيْهِ وَلَا مِنْهُ، وَكَوْنُهُ مَحَلَّ ذَلِكَ لَا يُجْدِيهِ شَيْئًا، لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْإِيجَادِ وَالتَّحْصِيلِ، وَكَوْنُهُ سَبَبًا فِيهِ نُزُولُ مُلَاحَظَتِهِ لَهُ إذَا تَأَمَّلَ أَنَّ الْأَسْبَابَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لِمُوجِدِهَا وَالْمُنْعِمِ بِهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ إعْجَابُهُ إلَّا بِمَا أَسَدَاهُ إلَيْهِ الْحَقُّ وَأَجْرَاهُ عَلَيْهِ وَآثَرَهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ مَزَايَا جُودِهِ وَكَرَمِهِ مَعَ عَدَمِ سَابِقَةِ اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُ لِذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ: لَوْلَا مَا عَلِمَ فِي مِنْ صِفَةٍ مَحْمُودَةٍ بَاطِنَةٍ لَمَا آثَرَنِي بِذَلِكَ.
قِيلَ لَهُ: وَتِلْكَ الصِّفَاتُ أَيْضًا مِنْ خَلْقِهِ وَإِنْعَامِهِ؛ عَلَى أَنَّ مَنْ انْطَوَى عِلْمُ خَاتِمَتِهِ وَعَاقِبَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ، كَيْفَ يَسُوغُ لَهُ عُجْبٌ بِأَيِّ نَوْعٍ فُرِضَ مِنْ أَنْوَاعِهِ فَإِنَّهُ لَا أَعْبَدَ مِنْ إبْلِيسَ، وَلَا أَعْلَمَ مِنْ بَلْعَمَ بْنِ بَاعُورَاءَ فِي زَمَنِهِ، وَلَا أَقْرَبَ وَلَا أَشْفَقَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ عَلَى نَبِيِّنَا ﷺ، وَلَا أَشْرَفَ مِنْ الْجَنَّةِ وَمَكَّةَ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا وَقَعَ لِأُولَئِكَ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ -، وَمَا وَقَعَ لِآدَمَ فِي الْجَنَّةِ وَلِكُفَّارِ مَكَّةَ فِيهَا، فَاحْذَرْ أَنْ تُعْجَبَ وَتَغْتَرَّ بِنَسَبٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ مَحَلٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، هَذَا كُلُّهُ إنْ كُنْتَ مُعْجَبًا بِحَقٍّ، فَكَيْفَ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ الْإِعْجَابُ بِبَاطِلٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر: ٨] وَقَدْ أَخْبَرَ ﷺ أَنَّ هَذَا يَغْلِبُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، إذْ جَمِيعُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ إنَّمَا أَصَرُّوا عَلَيْهَا لِعُجْبِهِمْ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ، وَبِذَلِكَ أُهْلِكَتْ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ لَمَّا افْتَرَقُوا فِرَقًا وَأُعْجِبَ كُلٌّ بِرَأْيِهِ: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٣] ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٤] ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ - نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٥ - ٥٦] أَيْ إنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا كَانَ مَقْتًا وَاسْتِدْرَاجًا ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٢] ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف: ١٨٣] .
[خَاتِمَةٌ فَضَائِلِ التَّوَاضُعِ]
قَدْ بَانَ لَك ذَمُّ الْكِبْرِ وَالِاخْتِيَالِ وَالْعُجْبِ، وَآفَاتُ ذَلِكَ وَقَبَائِحُهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ

1 / 123