قوله:
وكان هذا الخطأ من خطئه في مفهوم استوائه على العرش، حيث ظن أنه مثل استواء الإنسان على ظهور الأنعام والفلك، وليس في هذا اللفظ ما يدل على ذلك، لأنه أضف الاستواء إلى نفسه الكريمة كما أضاف إليه سائر أفعاله وصفاته. فذكر أنه خلق ثم استوى، كما ذكر أنه قدر فهدى، وأنه بنى السماء بأيد، وكما ذكر أنه مع موسى وهارون يسمع ويرى وأمثال ذلك. فلم يذكر استواء مطلقًا يصلح للمخلوق، ولا عامًا يتناول المخلوق كما يذكر مثل ذلك في سائر صفاته، وإنما ذكر استواء أضافه إلى نفسه الكريمة.
ش: يقول الشيخ أن أصل خطأ الجهمي في نفيه لشيء مع إثبات نظيره إنما جاءه من جهة فهمه الخاطئ بأنه يلزم من كون الله مستو على عرشه أن يكون مثل استواء المخلوق، فإنه بناء على هذا الظن الفاسد نفى أن يكون استواء الله استقرارًا وعلوًا، وجعله ملكًا وغلبة وليس في نصوص الاستواء ما يدل على المماثلة، فإنه سبحانه أضافه إلى نفسه كما أضاف إليها تقديره وبناءه ورؤيته وسمعه وعلمه ونحو ذلك من سائر صفاته. وحينئذ فهذا توهم فاسد وظن خاطئ، فإن الله هو الخالق للعرش، والمخلوق مفتقر إلى الخالق لا يفتقر الخالق إلى المخلوق، وبقدرته قام العرش وسائر المخلوقات وهو الغني عن العرش. وكل ما سواه فقير إليه كيف وأنه كان موجودًا قبل العرش! فإذا كان موجودًا قائمًا بنفسه قبل العرش لا يكون إلا مستغينًا عنه. وإذا كان الله فوق العرش لم يجب أن يكون محتاجًا إليه ولله تعالى استواء على عرشه حقيقة، وللعبد استواء على الفلك حقيقة، وليس استواء الخالق كاستواء المخلوقين. فإن الله لا يفتقر إلى شيء ولا يحتاج إلى شيء، بل هو الغني عن كل شيء. والله يحمل العرش وحملته بقدرته، ويمسك السموات والأرض أن تزولا، فهو