التلويح في كشف حقائق التنقيح

Saad al-Din al-Taftazani d. 792 AH
3

التلويح في كشف حقائق التنقيح

التلويح في كشف حقائق التنقيح

Daabacaha

مطبعة محمد علي صبيح وأولاده بالأزهر

Lambarka Daabacaadda

١٣٧٧ هـ

Sanadka Daabacaadda

١٩٥٧ م

Goobta Daabacaadda

مصر

Noocyada

Usulul Fiqh
الصَّلَوَاتِ مُجَلِّيًا وَمُصَلِّيًا. وَبَعْدُ: فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمُتَوَسِّلَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَقْوَى الذَّرِيعَةِ عُبَيْدَ ــ [التلويح] قَدَّمَ التَّسْمِيَةَ؛ لِأَنَّ النَّصَّيْنِ مُتَعَارِضَانِ ظَاهِرًا، إذْ الِابْتِدَاءُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ يُفَوِّتُ الِابْتِدَاءَ بِالْآخَرِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِأَنْ يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَقَعُ الِابْتِدَاءُ بِهِ حَقِيقَةً وَبِالْآخَرِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا سِوَاهُ فَعَمِلَ بِالْكِتَابِ الْوَارِدِ بِتَقْدِيمِ التَّسْمِيَةِ وَالْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ عَلَيْهِ وَتَرَكَ الْعَاطِفَ لِئَلَّا يُشْعِرَ بِالتَّبَعِيَّةِ فَيُخِلُّ بِالتَّسْوِيَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَامِدًا حَالًا مِنْ فَاعِلِ يَقُولُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَبَعْدُ فَإِنَّ الْعَبْدَ عَلَى مَا فِي النُّسْخَةِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ صَارِفٌ عَنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا عَلَى النُّسْخَةِ الْقَدِيمَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ هَذَا الصَّارِفِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَالٌ عَنْهُ. وَأَمَّا تَفْصِيلُ الْحَمْدِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَثَانِيًا فَيَحْتَمِلُ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ أَنَّ الْحَمْدَ يَكُونُ عَلَى النِّعْمَةِ وَغَيْرِهَا فَاَللَّهُ تَعَالَى يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ أَوَّلًا بِكَمَالِ ذَاتِهِ وَعَظَمَةِ صِفَاتِهِ وَثَانِيًا بِجَمِيلِ نَعْمَائِهِ وَجَزِيلِ آلَائِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا التَّوْفِيقُ لِتَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ الثَّانِي أَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كَثْرَتِهَا تَرْجِعُ إلَى إيجَادٍ وَإِبْقَاءٍ أَوَّلًا وَإِيجَادٍ وَإِبْقَاءٍ ثَانِيًا فَيَحْمَدَهُ عَلَى الْقِسْمَيْنِ تَأَسِّيًا بِالسُّوَرِ الْمُفْتَتَحَةِ بِالتَّحْمِيدِ حَيْثُ أُشِيرَ فِي الْفَاتِحَةِ إلَى الْجَمِيعِ وَفِي الْأَنْعَامِ إلَى الْإِيجَادِ وَفِي الْكَهْفِ إلَى الْإِبْقَاءِ أَوَّلًا وَفِي السَّبَأِ إلَى الْإِيجَادِ وَفِي الْمَلَائِكَةِ إلَى الْإِبْقَاءِ. ثَانِيًا الثَّالِثُ الْمُلَاحَظَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ﴾ [القصص: ٧٠] عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا يُعْرَفُ بِالْحُجَّةِ مِنْ كَمَالِهِ وَيَصِلُ إلَى الْعِبَادِ مِنْ نَوَالِهِ وَفِي الْآخِرَةِ عَلَى مَا يُشَاهَدُ مِنْ كِبْرِيَائِهِ وَيُعَايَنُ مِنْ نَعْمَائِهِ الَّتِي لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠] فَإِنْ قُلْت فَقَدْ وَقَعَ التَّعَرُّضُ لِلْحَمْدِ عَلَى الْكِبْرِيَاءِ وَالْآلَاءِ فِي دَارَيْ الْفَنَاءِ وَالْبَقَاءِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَلِعَنَانِ الثَّنَاءِ ثَانِيًا أَيْ: صَارِفًا عَطْفًا عَلَى " حَامِدًا " قُلْتُ: مَعْنَاهُ قَصْدُ تَعْظِيمِهِ وَنِيَّةُ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ فِي كُلِّ مَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَصَرْفُ الْأَمْوَالِ إشَارَةٌ إلَى أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ وَالْحَمْدُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَخْذَ فِي الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِضَ عَنْ جَانِبِ الْخَلْقِ وَيَصْرِفَ أَعِنَّةَ الثَّنَاءِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ إلَى جَنَابِ الْحَقِّ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَالِمًا بِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلثَّنَاءِ وَحْدَهُ، فَإِنْ قُلْتَ: مِنْ شَرْطِ الْحَالِ الْمُقَارَنَةُ لِلْعَامِلِ وَالْأَحْوَالُ الْمَذْكُورَةُ أَعْنِي حَامِدًا وَغَيْرَهُ لَا تُقَارِنُ الِابْتِدَاءَ بِالتَّسْمِيَةِ قُلْتُ: لَيْسَ الْبَاءُ صِلَةً لِ " أَبْتَدِئُ " بَلْ الظَّرْفُ حَالٌ وَالْمَعْنَى مُتَبَرِّكًا بِسْمِ اللَّهِ أَبْتَدِئُ الْكِتَابَ، وَالِابْتِدَاءُ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ يُعْتَبَرُ مُمْتَدًّا مِنْ حِينِ الْأَخْذِ فِي التَّصْنِيفِ إلَى الشَّرْعِ فِي الْبَحْثِ وَيُقَارِنُهُ التَّبَرُّكُ بِالتَّسْمِيَةِ وَالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْتَ: فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ يَكُونُ حَامِدًا ثَانِيًا بِمَعْنَى نَاوِيًا لِلْحَمْدِ وَعَازِمًا عَلَيْهِ لِيَكُونَ مُقَارِنًا لِلْعَامِلِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ قُلْتُ: يُجْعَلُ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ أَيْ وَحَامِدًا ثَانِيًا بِمَعْنَى عَازِمًا عَلَيْهِ

1 / 4