Al-Shaykh Abdul Aziz bin Baz: A Sample of the First Generation
الشيخ عبد العزيز بن باز ﵀ نموذج من الرعيل الأول
Daabacaha
دار ابن القيم،الدمام
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢١هـ/٢٠٠٠م
Goobta Daabacaadda
المملكة العربية السعودية
Noocyada
الشيخ عبد العزيز بن باز ﵀ نموذج من الرعيل الأول
محاضرة ألقاها: عبد المحسن بن حمد العباد البدر
في الجامعة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسولُه، وخليلُه وخيرتُه من خَلْقِه، أرسلهُ اللهُ تعالى بين يدي السّاعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فدلَّ أمّتَهُ على كلِّ خير، وحذّرها من كلِّ شرّ، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلكَ سبيلَهُ واهتدى بهديه إلى يوم الدِّين.
1 / 1
أمّا بعدُ:
أيُّها الإخوةُ، إنّ حديثي معكم هذه اللّيلة١ في شخصٍ عرفهُ الخاصُّ والعامُّ، عرفتْهُ الدُّنيا مسلمُها وكافرُها، رجلٌ فيما أحسبُ أكبرُ شخصيّةٍ علميّةٍ في هذا العصر، يذكّرنا بما كان عليه سلفُ هذه الأمّة من العلماء العاملين والهداة المصلحين من غزارة علم، وكرم أخلاق، وسعة اطّلاع، وعموم نفع ونصح للإسلام والمسلمين، وهو بحقّ نموذج من الرّعيل الأوّل.
وهو سماحةُ الإمام العَلاّمة، المحدِّث الفقيه، شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، مجدِّد القرن الخامس عشر، الشّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ﵀ وغفرَ له، ولن آتي بشيءٍ جديدٍ لا يعرفُه النّاسُ، فموضوعُ الحديث معروفٌ لدى الخاصِّ والعامِّ، ولكن أحببتُ أن
_________
١ هي محاضرة ألقيت ليلة الجمعة السّادس من شهر صفر عام ١٤٢٠هـ في مسجد الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة، وقد فُرّغت من شريط التّسجيل وأُدخل عليها بعضُ التّعديلات.
1 / 2
أُدْلِيَ بدَلْوي مع الدِّلاء، وأن أذكُرَ شيئًا ممّا يتعلّقُ بهذا الرّجُل العظيم، ولكي تكون المعلوماتُ عن هذا الرّجُل العظيم محصورةً فأنا أوجزُها في عشر نقاطٍ وهي:
أوّلًا: نسبُه، وولادتُه، ونشأتُه.
ثانيًا: شيوخُه وتلاميذُه.
ثالثًا: أعمالُه التي تولاّها.
رابعًا: علمُه.
خامسًا: عمومُ نفعِه.
سادسًا: عبادتُه.
سابعًا: مؤلّفاتُه.
ثامنًا: صلتي الخاصّةُ به.
تاسعًا: وفاتُه، وعَقِبُهُ، ومَنْ خَلَفَهُ.
عاشرًا: أمنيّاتٌ ومقترحاتٌ.
هذه هي النِّقاطُ التي سيدورُ حولها الكلامُ عن هذا الرّجل الإمام العظيم ﵀.
1 / 3
أوّلًا: أقولُ كما أسلفتُ:
هو الإمامُ العلاّمةُ، المحدِّثُ الفقيهُ، شيخُ الإسلام، مفتي الأنام، مجدِّدُ القرن الخامس عشر، الشّيخُ عبدُ العزيز بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الله آل باز.
وُلد في مدينة الرّياض في اليوم الثّاني عشر من الشّهر الثّاني عشر من عام ثلاثين بعد الثّلاثمائة والألف.
ونشأَ في أسرةٍ كريمةٍ فيها أهلُ علمٍ وفضلٍ، وكان ﵀ منذ نشأته ذا همّةٍ عاليةٍ، وحرصٍ على تحصيل العلم، وجِدٍّ فيه، وقد حفظ القرآنَ قبل البلوغ، وكان ﵀ بصيرًا، وحصلَ له مرضٌ في السَّنَة السّادسة عشرة من عُمُرِه، ضعفَ فيها بصرُه، وأخذَ في الضَّعْفِ حتّى انتهى تمامًا في سنِّ العشرين، ولكنّ الله ﷿ عوّضهُ بصيرةً في قلبِه، ونُورًا وإيمانًا، فنشأ على علمٍ وفضلٍ، وجِدٍّ واجتهادٍ في تحصيل العلم، حتّى نبغَ في سنٍّ مبكِّرةٍ ﵀.
1 / 4
ثانيًا: أمّا شيوخُه الذين أخذَ عنهم العلمَ فمنهم
الشّيخُ محمّد بن عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن بن الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب رحمةُ الله على الجميع.
والشّيخُ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرّحمن ابن حسن قاضي الرّياض.
والشّيخُ سعد بن حَمَد بن عَتيق قاضي الرّياض.
والشّيخُ حَمَد بن فارس وكيل بيت المال.
والشّيخُ سعد وَقّاص البخاريُّ أخذ عنه علمَ التّجويد في مكّة المكرّمة في سنة خمسٍ وخمسين وثلاثمائة وألف.
أمّا شيخُه الذي تتلمذَ عليه كثيرًا، والذي لازمه سنينَ طويلةً، واستفادَ من علمِه، فهو سماحةُ الشّيخ محمّد بن إبراهيم بن عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن ابن حسن بن الشّيخ الإمام محمّد بن عبد الوهّاب رحمةُ الله على الجميع، فقد دَرَسَ عليه العلومَ الكثيرةَ المتنوّعة، واستفادَ من علمه كثيرًا، وكان ﵀ يُجِلُّ شيخَهُ، ويثني عليه، ويدعُو له كثيرًا، رحمةُ الله
1 / 5
على الجميع، فهؤلاء هم أبرزُ شيوخه.
أمّا تلاميذُه:
فهم كثيرون يصعبُ عدُّهم، وأستطيعُ أن أقولَ: إنّ الغالبيّةَ العظمى من القُضاة وأساتذة الجامعات في الكليّات الشّرعيّة، وكذلك في كثيرٍ من المعاهد والمدارس هم تلاميذُه أو تلاميذُ تلاميذِه، أو تلاميذُ تلاميذِ تلاميذِه، بل إنّ الأفواجَ الخمسةَ الأُولى الذين تخرّجُوا من كليّة الشّريعة في الرّياض، وهم الفوجُ الأوّلُ الذي تخرّج في عام ستّةٍ وسبعين وثلاثمائة وألف، وكذلك الأفواجُ التي تلتهُم، وآخرُها الفوجُ الذي تخرّج سنة ثمانين وثلاثمائة وألف، وهي السَّنَةُ التي تسبقُ انتقالَهُ إلى الجامعة الإسلاميّة حيث كان يدرِّسُ في كليّة
1 / 6
الشّريعة، فهذه الأفواجُ الخمسةُ هم تلاميذُه مباشرةً، أخذُوا عنه مباشرةً، وأوّلُ فوجٍ تخرّجَ وأخذَ عنه العلمَ هو الذي تخرّج في عام ستّةٍ وسبعين وثلاثمائة وألف، ومن حين تخرّجُوا وهم إمّا في تدريسٍ وإمّا في قضاءٍ، ومن أخذَ عن هؤلاء المدرّسين هم تلاميذُ تلاميذِه، وكذلك الشّأنُ في الأفواج الأربعة الأخرى. وهكذا فيكون الكثيرُ من القُضاة والمدرِّسين في الجامعات وفي غيرها في العلوم الشّرعيّة هم كما قلتُ إمّا من تلاميذِه، أو تلاميذِ تلاميذِه، أو تلاميذِ تلاميذِ تلاميذِه.
وقد كان من فضل الله ﷿ عَلَيَّ أن كنتُ من تلاميذه الذين هم في الفوج الرّابع من الأفواج الخمسة الذين أخذُوا عن الشّيخ ﵀ وغفرَ له.
وبعد انتقاله من المدينة إلى الرّياض كان له دروسٌ في جامع الإمام تركي بن عبد الله، وفي أحد المساجد القريبة من منزله، وأخذ عنه العلم فيها كثيرون من
1 / 7
أساتذة الجامعات وغيرهم، فهؤلاء أيضًا من تلاميذه الذين أخذُوا عنه العلمَ.
ثالثًا: الأعمالُ التي تولاّها
أوّلُ عملٍ أُسند إليه القضاءُ في الخَرْجِ، وكان ذلك في شهر جُمادى الآخرة من عام سبعةٍ وخمسين وثلاثمائة وألفٍ، أي وهو في السّابعة والعشرين من عمره ﵀، واستمرّ في القضاء في الخَرْجِ إلى نهاية عام واحدٍ وسبعين وثلاثمائة وألفٍ.
ثمّ بعد ذلك انتقلَ إلى التّدريس في معهد الرّياض العلميّ، وكذلك في كليّة الشّريعة بعد إنشائها، واستمرّ في هذا العمل إلى نهاية عام ثمانين وثلاثمائة وألفٍ حيث فُتحت الجامعةُ الإسلاميّةُ في أوّل عام واحدٍ وثمانين وثلاثمائة وألف، وكان هو المباشرُ لإنشائها وتأسيسها نائبًا لرئيسها سماحة المُفتي الشّيخ محمّد بن إبراهيم ﵀.
1 / 8
واستمرّ في الجامعة من العاشر من شهر ربيع الأوّل من سنة واحدٍ وثمانين وثلاثمائة وألفٍ إلى الرّابع عشر من شهر شوّال من سنة خمسٍ وتسعين وثلاثمائة وألفٍ، أي أنّه مكثَ فيها خمسةَ عشرَ عامًا.
ثمّ انتقلَ إلى رئاسة إدارة البحوث العلميّة والإفتاء والدّعوة والإرشاد واستمرّ فيها، وفي عام أربعة عشر وأربعمائة بعد الألف عُيِّن مفتيًا عامًّا للملكة، ورئيسًا لهيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلميّة والإفتاء.
وبالإضافة إلى ذلك كان يقومُ برئاسة المجلس التّأسيسي لرابطة العالَم الإسلامي، ورئاسة المجلس الأعلى العالمي للمساجد، ويقومُ أيضًا برئاسة المجمع الفقهي التّابع لرابطة العالَم الإسلامي، وأيضًا بعد انتقاله عن الجامعة صارَ عضوًا في مجلسها الأعلى، وكان رئيسُها الأعلى خادمُ الحرمين الشّريفين حفظهُ اللهُ، وكان إذا غابَ عن الجَلَسات يُنيبُ سماحةَ الشّيخ عبد العزيز بن باز ﵀.
1 / 9
رابعًا: علمُه
كان ﵀ عالمًا كبيرًا كما يعرفُ ذلك الخاصُّ والعامُّ، وكان عالمًا ربّانيًّا، وقد نقلَ الحافظُ ابن حجر في فتح الباري عن ابن الأعرابي أنّه قال: لا يُقال للعالِم ربّانيّ حتّى يكون عالِمًا عاملًا مُعلِّمًا.
وقد كان كذلك فهو عالِمٌ وعاملٌ ومعلِّمٌ، وداعيةٌ إلى الله ﷿ على بصيرةٍ ﵀.
وكان إمامًا في الدِّين، وقد قال شيخُ الإسلام ابن تيمية: بالصّبر واليقين تُنالُ الإمامةُ في الدِّين، قال اللهُ ﷿: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ﴾
وكان ﵀ عالِمًا بالحديث والفقه، له عنايةٌ بالدّليل، وحرصٌ على الرُّجوع إلى الأدلّة والتّمسُّك بها، والحثِّ على سلوك هذا المسلك، فكان معنيًّا بالحديث، ومعرفة صحيحه وضعيفه، ورجاله، ومن
1 / 10
يُتكلَّمُ فيه منهم، وكان في فتاواه وفي دروسه يذكرُ ذلك فيقول: الحديثُ الفلانيُّ صحيحٌ، أو ضعيفٌ؛ لأنّ في سنده فلانًا، أو أنّه منقطعٌ، أو أنّه مرسلٌ، أو أنّه كذا، أو أنّه كذا.
وكان معنيًّا بالفقه ﵀، وهو المرجعُ في الفتوى في داخل المملكة وخارجها، وهو مفتي الأنام كما ذكرتُ، يرجعُ النّاسُ إليه في مختلف المسائل.
وكان يُعنى بذِكْرِ القول أو الحكم مقرونًا بدليله، وبيان وجهه، سواءً كان من المنقول أو من المعقول، ﵀.
وكان ﵀ في تعقّبه على القول الذي يرى أنّه خلافُ الصّواب في غاية الأدب مع أهل العلم، فيقول: هذا القولُ فيه نظرٌ، والصّوابُ هو كذا وكذا، ومن يطّلع على حاشيته على فتح الباري التي تقع في الثّلاثة المجلّدات الأُولى يجد ذلك واضحًا جليًّا، فإنّه
1 / 11
عندما يتعقّبُ الحافظَ ابن حجرٍ أو من ينقل عنه في بعض المسائل يبدأُ بقوله: هذا القولُ فيه نظرٌ، والصّوابُ هو كذا وكذا، ويذكرُ الدّليلَ على ذلك، أمّا إذا كان القولُ ساقطًا أو باطلًا ظاهرَ البطلان مجانبًا للحقِّ ومخالفًا للدّليل فإنّه يقول: هذا القولُ ظاهرُ البطلان، أو هذا القولُ غيرُ صحيحٍ، أو لا يصحُّ، قولٌ باطلٌ، أو ما إلى ذلك من العبارات.
وكان ﵀ قد حصلَ له سؤددٌ في العلم، ومنزلةٌ عاليةٌ، ومكانةٌ رفيعةٌ، يشهدُ بذلك الخاصُّ والعامُّ، ولم يحصل هذا السُّؤدد من فراغٍ وإخلادٍ إلى الرّاحة، وإنّما حصّله بالجِّدِّ والاجتهاد منذ نعومة أظفاره، وهو رجلٌ عاملٌ جادٌّ، ذو همّةٍ عاليةٍ، والشّاعرُ يقول:
وإذا كانت النّفوسُ كبارًا ... تعبتْ في مرادها الأجسادُ
1 / 12
فلم ينل ما نال بعد توفيق الله إلاّ بالجِّدِّ والاجتهاد، والتّعب والنَّصَب والمشقّة، وبذل الجهد والصحّة والعافية في الاشتغال بالعلم، ونفع النّاس، ﵀.
وقد قال يحيى بن أبي كثيرٍ اليَماميّ كما ذكرهُ عنه الإمامُ مسلمٌ في صحيحه: لا يُستطاعُ العلمُ براحة الجسم.
ويقول الشّاعرُ:
لولا المشقّةُ سادَ النّاسُ كلّهمُ ... الجُودُ يُفْقِرُ والإقدامُ قتّالُ
وقد كان ﵀ صابرًا محتسبًا، جادًّا مُجِدًّا في جميع مراحل حياته، إلى أن توفّاهُ اللهُ ﷿، وكان عاملًا في محلِّ العمل الرّسميّ، وفي المسجد، وفي الطّريق، وفي البيت، لا يعرفُ وقتًا للرّاحة إلاّ الشّيء اليسير، فبابُه مفتوحٌ ﵀ لاستقبال النّاس للاستفتاء،
1 / 13
وطلب الشّفاعة والمُساعدة والنُّصح، وغير ذلك من الأمور التي يحتاجُ إليها النّاسُ.
فهو إنّما حصّلَ هذا السُّؤددَ وهذه المنزلةَ العاليةَ الرّفيعةَ بالجِّدِّ والاجتهاد، وبذل النّفس والنّفيس، ﵀ وغفرَ له.
خامسًا: عمومُ نفعِه
كان ﵀ نافعًا للنّاس في علمِه، وفي نُصحِه، وأمرِه بالمعروف ونهيِه عن المنكر، والدّعوةِ إلى الخير، ومُساعدة النّاس بماله وبجاهه، كلُّ ذلك من أوجه عموم نفعه.
فهو داعيةٌ إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، في محاضراته وكلماته وكتاباته.
وكان يقوم بتعيين الدُّعاة في خارج المملكة على نفقة بعض المحسنين.
1 / 14
ومن عموم نفعه كثرةُ فتاويه سواءً عن طريق المقابلة واللِّقاء المباشر، أو عن طريق المهاتفة، أو عن طريق المراسلة، كلُّ ذلك كان يحصلُ من سماحته ﵀ في نفع النّاس.
وكان ﵀ عندما يقف على بعض الأخطاءِ في بعض الصّحف والمجلاّت يُنبِّهُ عليها بكلماتٍ تنشرُ في الصّحف أو في رسائل يكتبُها وتطبعُ مستقلّةً.
وكانت مجالسُه ﵀ معمورةً بالعلم والنُّصح والنّفع وإفادة النّاس والإحسان إليهم، وهي مجالسُ تحضرُها الملائكةُ لأنّها معمورةٌ بذِكْرِ الله وبالعلم النّافع وبالنُّصح وبالنّفع للمسلمين، ﵀ وغفرَ له.
وكان حريصًا على مساعدة المحتاجين، وتعمير المساجد، في داخل المملكة وخارجها، وفي مكتبه الخاصّ في بيته سجلاّتٌ بأشخاصٍ وبجهاتٍ مختلفةٍ
1 / 15
يتلقّون المساعدات، سواءً كانوا من الفقراء أو من الدُّعاة، في داخل المملكة وخارجها.
وكان ﵀ ذا لطفٍ وكرمٍ، وحسن ضيافةٍ، فعندما يأتيه الإنسانُ ويكونُ من بلدٍ غير البلد الذي هو فيه يبادرُ إلى دعوته إلى تناول طعام الغداء أو العَشاء، ويسألُ عن حاله وحال أبيه وأمِّه إذا كانا موجودين، أو عن حال بعض أقاربه، وعن البارزين من أهل العلم في بلده، وهذا من كريم أخلاقه وفضله ونبله ﵀.
وكان يرتادُ منزلَه الفقراءُ والمحتاجُون، ومن جاءَ مستفتيًا أو طالبًا مساعدةً، ويشاركُونه في طعام الغداء أو العَشاء الذي يهيّأ كلّ يوم على قدرٍ يكفي لتلك الأعداد من ضيوفه ﵀.
وفي حجّ عام ألف وأربعمائة وتسعة عشر وهو العام الذي تخلّف فيه عن الحجّ في آخر حياته لمرض نصحه الأطبّاء بعدم السّفر للحجّ من أجله كلّف من
1 / 16
يقومُ بفتح بيته في مكّة، ومخيّمه في منى، وصُنْعِ الولائم وتقديمها للنّاس الذين اعتادُوا أن يأتُوا إليه ليستفيدوا من علمه، ويشاركوه في طعامه، وكان يتّصلُ بمن كلّفه بذلك بالهاتف للاطمئنان على ذلك.
وكان يبذلُ جاهَهُ في الشّفاعة للنّاس وفي مساعدتهم في تحصيل مطالبهم وقضاء حوائجهم.
ثمّ إنّه كان يتيسّرُ لي أن أزورهُ في وقت الحجِّ في منزله وفي المخيّم في منى، وفي هذه السَّنَة لمّا تخلّف عن الحجِّ سافرتُ إلى مكّة لَمَّا كان فيها قبل ذهابه إلى الطّائف بيومين، وذلك في يوم الخميس الموافق التّاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة، ذهبتُ أنا وبعضُ أبنائي خصِّيصًا لزيارته، ولَمَّا جئنا إليه وسلّمنا عليه كعادته يبادرُ إلى السُّؤال عن الحال وعن الوالدين، ويدعُو إلى تناول طعام الغداء، فقلتُ له: إنّا قد جئنا من المدينة خصِّيصًا لزيارتك، ونتناولُ طعامَ الغداء معك ثمّ نرجعُ
1 / 17
إلى المدينة، فقال ﵀: قال اللهُ ﷿: "وجبتْ محبّتي للمتحابِّين والمُتزاورين فِيَّ".
وفي ذلك اللّقاء كان في مجلسه ستّون من أصحاب الحاجات، وقد ذكرَ عددَهُم أحدُ الذين كانوا يتولّون قراءةَ المعاملات عليه، وكان وصولنا إليه في السّاعة العاشرة صباحًا، ومنذ ذلك الوقت إلى أن أذّن لصلاة الظّهر وعنده كاتبان كلُّ واحدٍ منهما عنده عددٌ من المعاملات، يتناوبان القراءة عليه، وإذا حصلَ اتِّصالٌ بالهاتف رفع السّمّاعةَ وأجابَ على استفتاء من يستفي.
ولَمَّا أُذّن لصلاة الظّهر سأل كم عددُ الذين بقيت معاملتهم؟ قيل: إنّه بقي ثمانيةٌ، فقال: إن شاء اللهُ بعد الصّلاة ننهي معاملاتهم، وبعد الصّلاة رجعَ وأنهى ما بقي وجلسَ إلى أن قُدّم طعامُ الغداء، فقام الجميعُ لتناول طعامَ الغداء، وكان الطّعامُ كثيرًا كعادته لأنّ الذين يحضرُون كثيرون، وكان عددُ الصّحون التي تحلّق
1 / 18
عليها النّاسُ في ذلك اليوم ستّة صحون كبيرة، ﵀ وغفرَ له.
ولم يكتف ﵀ في بذله النّفعَ للنّاس وحرصه على مساعدتهم فكتبَ كتابًا لأحد المشايخ الكبار وذلك في اليوم الثّامن من الشّهر الثّالث من عام ثمانية عشر وأربعمائة وألف، قال فيه: يسرُّني أن أخبركم بأنّه منذ زمنٍ طويلٍ وأنا قائمٌ بالعمل على مساعدة كثيرٍ من المحتاجين في داخل المملكة وخارجها، وتعمير المساجد في داخل المملكة وخارجها، وتعيين الدُّعاة في خارج المملكة وذلك على نفقه خادم الحرمين الشّريفين ووليّ عهده وعدد من الأمراء وأصحاب الخير والتُّجّار، ثمّ قال بعد ذلك: والدّوامُ لله، ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ فإذا حدثَ بي حادثُ الموت أرجُو أن تتولّوا هذه الأعمالَ، وأن تحتسبُوا الأجرَ عند الله ﷿.
1 / 19
سادسًا: عبادتُه
كان ﵀ عاملًا بعلمه، وثمرةُ العلمِ العملُ، فكان كثيرَ الذِّكْرِ لله ﷿، وكثيرَ الدُّعاء، وكان ملازمًا للحجِّ، وقد حجّ سبعًا وأربعين حجّةً ﵀، عرفتُ هذا لمّا زارَ منطقةَ الباحة في عام ألف وأربعمائة في شعبان سُئل، وكان من جواب السُّؤال أن ذكرَ عمرَهُ وأنّه في ذلك الوقت يبلغُ السّبعين من العُمُرِ، وأنّه حجّ ثمانيًا وعشرين حَجَّةً، أخبرني بذلك أحدُ الحاضرين، وكان مواصلًا للحجّ حتّى العام الذي قبل العام الذي انصرمَ وهو العامُ الثّامنُ عشر بعد الأربعمائة والألف، فيُضافُ إلى الثّمان والعشرين تسعَ عشرة حَجَّةً، فيكونُ عددُ الحَجّات التي حجّها ﵀ سبعًا وأربعين حَجَّةً.
ومِمَّا وقفتُ عليه مِمَّا يدلّ على عظم عنايته بالعبادة والاشتغال بها أنّه في عام سبعةٍ وتسعين وثلاثمائة وألفٍ
1 / 20