Al-Shafi'i: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

Mohammad Abu Zahra d. 1394 AH
18

Al-Shafi'i: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

الشافعى حياته وعصره – آراؤه وفقهه

Daabacaha

دار الفكر العربي

Lambarka Daabacaadda

الثانية

Sanadka Daabacaadda

1398 AH

ويسأل عن معاملتهم، وما يدبرونه فيما بينهم، وما كان يفعل ذلك إلا ليكون حكمه في مسألة تتعلق بشئون الناس، وتتصل بعاداتهم أقرب إلى تلك العادات، ما لم تخالف أصلاً من أصول الشرع وأحكامه، فهذه النشأة الفقيرة مع النسب الرفيع تهيأ بها للشافعي تهذيب كامل، لا يتسامى في معاملاته عن العامة فيبعد عنهم، ولا يهوى في مباذلهم فيصغر في نظرهم، فكان لنسبه عزته، ولفقره طيبته، وكان لجماعهما أثره عندما فكه في بحبوحة العيش، يهدي إليه الوزير الهدية، فيرفضها لأنها ممن دونه، ويعطيه الخليفة العطية فيوزعها قبل أن يغادر الطريق، أو يبقيها فيفرقها على الفقراء ممن لهم به رحم.

١٢ - نشأ الشافعي في بيت فقير، وكان يتيمًا، كما بينا، وقد حرصت أمه على وصله بأنسبائه خشية الضيعة كما علمت. والذي يستخلص من مجموع الروايات التي تبين تربيته الأولى وما ظهر منه من ذكاء وألمعية، أن الشافعي حفظ القرآن الكريم وبدأ ذكاؤه الشديد في سرعة حفظه له، ثم اتجه بعد حفظه القرآن الكريم إلى استحفاظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حريصاً عليها، ويستمع إلى المحدثين، فيحفظ الحديث بالسمع، ثم يكتبه على الخزف أحياناً، وعلى الجلود أخرى، وكان يذهب إلى الديوان يستوعب الظهور ليكتب عليها(١)، وبهذا تدل كل الروايات على أنه أغرم بالعلم، وحبب إليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم منذ نعومة أظفاره.

ولقد كان مع استحفاظه لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وحفظه لكتاب الله تعالى، قد اتجه إلى التفصح في العربية، ليبعد كل البعد عن العجمة وعدواها التي أخذت تغزو اللسان العربي بسبب الاختلاط بالأعاجم في المدائن والأمصار، وقد خرج في سبيل هذا إلى البادية ولزم هزيلاً، وهو يقول في هذا المقام: إني خرجت عن مكة فلازمت هزيلاً بالبادية، أتعلم كلامها، وآخذ طبعها، وكانت أفصح العرب، أرحل برحيلهم،

(١) قد جاء في ذلك عدة روايات على لسان الشافعي، ونقل ذلك الفخر الرازي في مناقب الشافعي، ومعظم الأدباء عن الآبري، وغيرهما. والمعنى فيها واحد، والظهور المراد بها الأوراق الديوانية التي كتب في باطنها وترك ظهرها أبيض.

18