Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
Noocyada
ثبات الصديق ﵁ أمام فتنة الموت
وفتنة أخرى هائلة مرت بـ الصديق ﵁ وأرضاه فتنة الموت، والموت فتنة عظيمة والفراق ألمه شديد، وكم من البشر يسقطون في هذه الفتنة؟ إلا أن الصديق ﵁ وأرضاه كان كما عودنا رابط الجأش مطمئن القلب ثابت القدم أمام كل العوارض التي مرت به في حياته، فقد مر بنا موقفه من وفاة ابنه عبد الله شهيدًا وكيف تلقى الأمر بصبر عظيم وبرضًا واسع، وماتت أيضًا زوجته الحبيبة القريبة إلى قلبه أم رومان ﵂ وأرضاها والدة السيدة عائشة ﵂ ماتت في سنة (٦) من الهجرة في المدينة المنورة بعد رحلة طويلة مع الصديق في طريق الإيمان، فقد أسلمت قديمًا وعاصرت كل مواقف الشدة والتعب والإنفاق والإجهاد والهجرة والنصرة والجهاد والنزال، فكانت خير معين لزوجها الصديق ﵁ وأرضاه، ثم ماتت وفارقت الصديق، وفراق الأحبة أليم، لكن صبر الصديق ﵁ وأرضاه صبرًا جميلًا وحمد الله واسترجع، ومات كثير من أصحابه وأحبابه ومقربوه، مات حمزة، ومات مصعب، ومات أسعد بن زرارة، ومات سعد بن معاذ، ومات جعفر، ومات زيد بن حارثة وغيرهم كثير ﵃ أجمعين ماتوا وسبقوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض.
فانتظر الصديق ﵁ وأرضاه صابرًا غير مبدل، قال ﷿: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب:٢٣].
وجاءت فتنة كبيرة فتنة موته هو شخصيًا ﵁ وأرضاه، ونام على فراش لابد من النوم عليه، نام على فراش الموت، فماذا فعل وهو في لحظاته الأخيرة؟ ماذا فعل وهو يعلم أنه سيغادر الدنيا وما فيها؟ ماذا فعل وهو سيترك الأهل والأحباب والأصحاب؟ هل جزع أو اهتز؟ حاشا لله! إنه الصديق ﵁، فها هو الصديق ﵁ على فراش الموت يوصي عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه في ثبات وثقة واطمئنان ويقول له: اتق الله يا عمر! واعلم أن لله عملًا بالنهار لا يقبله بالليل وعملًا بالليل لا يقبله بالنهار، يعني: يحذره من التسويف وتأجيل الأعمال الصالحة، ويحفزه على السبق الذي كان سمتًا دائمًا للصديق في حياته، يقول الصديق: وأن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى فريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غدًا أن يكون ثقيلًا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في دار الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدًا أن يكون خفيفًا، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه، فإذا ذكرتهم قلت: إني أخاف ألا ألحق بهم، وإن الله تعالى ذكر أهل النار بأسوأ أعمالهم ورد عليهم أحسنه فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجو ألا أكون مع هؤلاء؛ ليكون العبد راغبًا راهبًا لا يتمنى على الله ولا يقنط من رحمة الله، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكن غائب أحب إليك من الموت، وإن أنت ضيعت وصيتي فلا يكن غائب أبغض إليك منه، ولن تعجزه.
فانظر إلى صدق الوصية وحرص الصديق أن يصل بكل المعاني التي كانت في قلبه إلى عمر بن الخطاب الخليفة الذي سيتبعه في قيادة هذه الأمة.
ثم انظر إلى هذا الموقف العجيب وهو أيضًا على فراش الموت: استقبل المثنى بن حارثة ﵁ وأرضاه قائد جيوش المسلمين آنذاك في العراق، وكان قد جاءه يطلب المدد لحرب الفرس، فإذا بـ الصديق الثابت ﵁ لا تلهيه مصيبة الموت ولا يصده آلام المرض وإذا بعقله ما زال واعيًا متنبهًا وإذا بقلبه ما زال مؤمنًا نقيًا وإذا بعزيمته وبأسه وشجاعته كأحسن ما تكون فأسرع يطلب عمر بن الخطاب الخليفة الجديد يأمره وينصحه ويعلمه، قال: اسمع يا عمر! ما أقول لك ثم اعمل به: إني لأرجو أن أموت من يومي هذا أتوقع أني أموت من يومي هذا، فإن أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى، ولا تشغلنكم مصيبة وإن عظمت عن أمر دينكم ووصية ربكم، وقد رأيتني متوفى رسول الله ﷺ وما صنعت ولم يصب الخلق بمثله، يعني: أنت رأيت وقت المصيبة الكبيرة مصيبة موت رسول الله ﷺ كيف كان الثبات سببًا في نجاة الأمة، ومصيبة موته مهما كانت أقل بكثير من مصيبة موت رسول الله ﷺ.
فأوصاه ألا ينشغل بالمصيبة عن أمر الله وعن أمر الدين، ثم قال: وإن فتح الله على أمراء الشام فاردد أصحاب
5 / 10