Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
Noocyada
إنكار الصديق لذاته في الراحة والكلام
جانب آخر من جوانب إنكار الذات عند الصديق ﵁: أين حظ نفسه في الراحة؟ أريتم الهجرة وما فعل فيها ﵁ وأرضاه؟ وقد تكلمنا قبل هذا عن الهجرة، أريتم موقف تجهيز الغار وتنظيفه، ثم تجهيز مكان ينام فيه الرسول ﷺ بجوار الصخرة، ثم البحث عن الطلب، ثم حلب اللبن وصب الماء عليه حتى يبرد، أليس الصديق أيضًا مسافرًا كرسول الله ﷺ؟ ألا يريد هو الآخر الراحة والنظافة والظل والفراش والشراب؟ لكنه لا يرى نفسه مطلقًا، ظل هكذا في خدمة رسول الله ﷺ مستمتعًا بهذه الخدمة حتى دخلوا المدينة.
وعندما دخلوا المدينة وارتفعت الشمس بعد كل هذا التعب والسفر والطريق الطويل يجلس الرسول ﷺ ليستريح، فيقف الصديق ﵁ ليضلل عليه بردائه، ألا يتعب هذا الرجل؟ أليست له احتياجات البشر العادية؟ ألا يجد له حقًا في أي شيء؟ أليست هناك حدود لطاقته؟ سبحان الله! هذا هو الصديق المنكر لذاته.
أين حظ الصديق في الكلام؟ لقد آتاه الله قوة في الحجة، وطلاقة في اللسان، وحكمة في البيان، ومع ذلك كان قليل الكلام جدًا، والكلام شهوة، وكثير من الناس -وبالذات الخطباء- يحبون أن يستمع الناس لكلامهم، والصديق مع أنه كان خطيبًا مفوهًا، إلا أنه كان يتعمد الصمت قدر ما يستطيع.
الصديق ﵁ وأرضاه يضع في فمه حصاة تمنعه من الكلام، سبحان الله! لماذا هذا؟ إذا أراد أن يتكلم رفعها، وبذلك يأخذ وقتًا بالتفكير فيما يريد أن يقول.
دخل عليه عمر بن الخطاب ذات مرة ورآه ممسكًا بلسانه وعلى وجهه آثار الحزن، فقال: ما لك يا أبا بكر؟! قال: هذا الذي أوردني الموارد، اللسان، الصديق يقول: هذا الذي أوردني الموارد، الصديق ﵁ وأرضاه يحاسب نفسه على كلماته القلائل، فكيف بمن أضاع عمره في كلام هو من اللغو أو من الباطل، أو من الذي لا ينبني عليه كثير عمل.
نسأل الله أن يهدينا إلى الطريق المستقيم.
4 / 7