Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
Noocyada
اتباع الصديق ﵁ لرسول الله ﷺ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم أما بعد: فأهلًا ومرحبًا بكم في لقاء جديد نقلب فيه بعض الصفحات في تاريخ أعظم رجال الأمة بعد رسول الله ﷺ، صفحات في تاريخ الصديق أبي بكر ﵁ وأرضاه.
والحقيقة أني لا أخفي عليكم أني سعيد سعادة عظيمة جدًا، وأنا أعد لهذه الحلقات وهذه المحاضرات أشعر بسعادة حقيقية لمعايشة الصديق ﵁ وأرضاه، وأشعر أن هذه المعايشة انتقلت من طور المعايشة على صفحات الكتب والمراجع إلى طور المعايشة الفعلية، وكأني أسير معه في شوارع مكة والمدينة، وكأني أصلي بجواره في مسجد رسول الله ﷺ، وكأني أسمعه وهو يأمر الأجناد ويسير الجيوش ويعلم الناس، وأتعجب إن كنت أنا أشعر بهذه السعادة بمجرد القراءة عنه، فكيف بمن كانوا يعيشون حقيقة معه ﵁ وأرضاه؟ وإن كان أبو بكر كذلك فكيف بمعلمه ومرشده ومربيه محمد ﷺ؟ يا إخوة! نحن محتاجون أن نعيش فعلًا مع كل دقيقة وكل لحظة وكل موقف من مواقف هؤلاء الأطهار، فكم سينير الطريق، وكم ستظهر الحقيقة وكم ستطمئن النفس! في الدرس السابق تحدثنا عن السمات المميزة لشخصية أبي بكر الصديق ﵁، وذكرنا أن هناك أمورًا أربعة كانت تميز حياته ﵁، وذكرنا منها أمرًا واحدًا ولم نكمله بعد.
هذه السمة الأولى هي حب رسول الله ﷺ، فقد أحبه الصديق ﵁ وأرضاه حبًا صادقًا حقيقيًا مقدمًا على حب النفس والمال والولد والأهل والبلد وغير ذلك من الأمور، وذكرنا في الدرس السابق أن هذا الحب له علامات وله أدلة، وإلا ادعى كل الناس أنهم يحبون محمدًا ﷺ: الدليل الأول على هذا الحب هو: التصديق بكل ما قاله وأخبر عنه رسول الله ﷺ، التصديق الذي ليس فيه شك ولا تخالطه ريبة.
وقد تحدثنا عن هذا الأمر في الدرس السابق.
الدليل الثاني هو: الاتباع الكامل لكل ما أمر به ﷺ، والعمل الدءوب وفق سنته ﷺ، فالتصديق دون عمل نوع من العبث.
وما أجمل ما قاله الحسن البصري ﵀: ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
وهذا من كلام الحسن البصري، وبعض الناس يظن أنه حديث عن رسول الله ﷺ وليس بحديث.
إنه كلام جميل جدًا، فما وقر في القلب هو التصديق بما أخبر به ﷺ، والاقتناع الكامل به.
(وصدقه العمل) هو الاتباع والاقتداء وفق التصديق الذي وقر في القلب.
وفي هذا الدرس نتحدث عن اتباع الصديق ﵁ وأرضاه لرسول الله ﷺ، وكيف كان هذا الاتباع علامة واضحة على حبه ﵁ لرسول الله ﷺ.
يقول الله ﷿ في كتابه الكريم: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:٧].
ويقول: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران:٣١].
وأبو بكر الصديق ﵁ وأرضاه يحب الله ﷿ حبًا لا يوصف، ويحب رسوله الكريم ﷺ حبًا لا يقدر، ويعلم أن الطريق الطبيعية لحب الله هو اتباع الرسول ﷺ الاتباع المطلق، بمعنى: إن علم الحكمة فبها ونعمت، وإن لم يعلمها فالعمل هو العمل بنفس الحماسة وبنفس الطاقة.
وكثير من الناس يعرضون أقوال الرسول ﷺ على عقولهم القاصرة، فإن وجدت موافقة من عقولهم فعلوها، وإن لم توافق عقولهم أو أهواءهم تركوها ونبذوها، بل وقد يسخرون منها.
أما أبو بكر الصديق ﵁ فلم يكن من هذا النوع، أبو بكر الصديق ﵁ كان يقتدي برسول الله ﷺ في كل صغيرة وكبيرة، حتى إنك لتشعر أنه لا يفرق بين فرض ونافلة؛ لما كان عنده من التصاق شديد بسنة رسوله ﷺ، والتصاق شديد بطريقته ومنهجه في الحياة، فإذا كنت تريد أن تصل إلى ما وصل إليه الصديق أبو بكر وأمثاله ﵃ أجمعين فاعلم أن قدر السنة عندهم كان عظيمًا جدًا، وليس المقصود بالسنة النوافل التي كا
2 / 2